مدونة الهوامش المنسية : رصد و حوارات و تساؤلات...من أجل تكريس الحرية و الكرامة و ثقافة الاختلاف لقد تم تغيير اسم المدونة ليصبح " الهوامش المنسية " و سيتم تخصيص صفحة للابداع الشعري تحت اسم " هوس الكلمات ".... كما تمت اضافة مقالات جديدة في ساحة الحوار ...... ..... حركة 20 فبراير : دعوة متجددة للاحتجاج الاجتماعي السلمي ..... ممتن و شاكر لزيارتكم .... للتفاعل و التواصل k.isskela@gmail.com

الدكتور عبد الستار رجب: أرى فيما يقع مظهرا من مظاهر التدرب على الديمقراطية.



معاناة زمن الحرية لا تقل عن معاناة زمن الاستبداد

حوار مع الدكتور عبد الستار رجب
حاوره كريم اسكلا
تتمة الحوار
سياقات تعلم الديموقراطية
اسكلا: هناك من يقول أن أطرافا معينة قد استحوذت أو اختطفت الثورة بدعم غربي، ويتساءلون هل حققت ثورة تونس أهدافها ؟
اسكلا: بالنسبة للجزء الأول من السؤال، من هي الأطراف التي سرقت الثورة ؟ !!  الذين يمثل الثورة التونسية الآن، وبعد انتخابات نزيهة وشفافة شهد لها العالم، هم الناس الذي انتخبهم الشعب وهم الذين يمثلون النواب الحاضرين في المجلس التأسيسي على اختلاف ميولاتهم وانتماءاتهم واتجاهاتهم هؤلاء ال 217 نائبا عن الشعب يمثلون اختيار الشعب. منهم من ارتضى بحسب أحجامهم الانتخابية أن يشكلوا ائتلافا حاكما، وهو ائتلاف فريد من نوعه في التاريخ السياسي المعاصر، بحيث يجمع بين فرقاء في الايدولوجيا  لكنهم اتفقوا على البرنامج السياسي ، نجد بينهم اليساري والليبرالي والعلماني والاسلامي، وهذا التنوع محمود ولعله اشارة بالغة في ان الانتقال إلى الربيع الديموقراطي ويترسخه يتمثل في العمل بالتوافق وأن لا يتفرد واحد بإدارة شأن البلد. بالتالي ليس هناك من خطف الثورة، فالذين هم الان في إدارة البلاد سواء الائتلاف الحاكم أو المعارضة هم اختيار الشعب...
اسكلا: على الرغم من التجربة الانتخابية التي شهد الجميع على شفافيتها، هناك من يقول أن الثورة انزاحت عن أهدافها على اعتبار أن المنظومة الإقتصادية والسياسية والثقافية...لازالت تكرس التبعية للرأسمالية المتوحشة، وعلى اعتبار أنه ما كان للغرب أن يدعم هذه الثورة لو لم يكن مطمئنا على مصالحه الاستراتيجية ؟
أبدأ من قولك أنّ الغرب دعّم الثورة. عن أي غرب يمكن أن نتحدّث ؟ عن الشعوب أم عن الحكومات؟ إذا كان المقصود بالشعوب فإنّها تتضمن أحرارا ومناضلين ومناصرين لقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان. وإذا كان المقصود الحكومات فإنّ التي كان لها علاقة تقليدية بتونس ومعنية بشأنها بالمعنى الجيوسياسي بقيت تساند النظام السابق إلى آخر لحظة. بل إنّ ما يميّز الثورة التونسية أنّها فاجأت الجميع وفي هذا دليل على عدم ارتباطها بأجندات خارجية. لقد كانت ثورة كرامة بحق. وأمّا الإشارة إلى الموضوع السياسي والاقتصادي والثقافي فنقول إنّ القرار السياسي لم يكن مستقلا كما اليوم بتوفر مجلس تأسيسي يعكس إرادة الشعب عبر انتخابات نزيهة وشفافة وبخصوص الموضوع الاقتصادي فإنّه يشير إلى تحديات هيكلية يحتاج تجاوزها إلى اقتراح منوال جديد للتنمية يقطع مع خيار المديونية التي ترهن الاقتصاد ولا تمكنه من تحقيق مؤشرات نمو هامة. وللإشارة هنا يوجد شبه اتفاق على ايلاء البعد الاقتصادي أهمية بالغة لأنّه مفتاح المشكلات الاجتماعية. والمسألة هنا لا تطرح في تقديرنا على معنى ايديولوجي بقدر ما تطرح على معنى علمي اخلاقي يساوي بين الفرص ويحقق عدالة توزيع الثروة ويراهن على الموارد الذاتية للشعب ويستثمر في المعرفة. وأمّا الموضوع الثقافي فنعتبر أنّ الثورة تؤسس لقيم القطع مع الاستبداد وقيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. نحن بهذا المعنى أمام أفق ثقافي جديد يعيد تشكيل الدولة والمجتمع.   
اسكلا: لكن الاحتجاجات لازالت مستمرة وغير راضية على الوضع القائم ؟
رجب: الاحتجاجات المستمرة وغير الراضية لا تعني أن هناك إشارة تخص الذين هم في المجلس التأسيسي وتفيد أن هؤلاء لا يمثلون الشعب، بالعكس فنحن نعتبر أن أكبر مكسب حققه الشعب هو انتزاعه حريته، الشعب الان يتدرب على الحرية التي حرم منها لأكثر من 50 سنة ، فهو يحاول أن يرى نفسه مواطنا يثبت ما اكتسبه من حرية . والاحتجاجات هي الان في إطار نظام شرعي في شقيه الحاكم والمعارض. فالاحتجاج هو الوجه الاخر لمعنى الديمقراطية في البلد. لكن يجدر أن ننبه إلى أن هذه الاحتجاجات يجب أن تكون في اتجاه تحقيق أهداف الثورة وأن تتعالى على الاختلافات الحزبية...فما يهدد الثورة هو أن يتحول الصراع من صراع لتحقيق أهداف الثورة والارتقاء بالمجتمع من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الديموقراطية والحرية والمواطنة وحقوق الانسان ...أن تنحاز وتتحول إلى صراعات وخلافات حزبية سياسوية. وهذا نسجله بشكل نسبي في التجربة التونسية ولعله من بين سياقات التعلم. فالديمقراطية هي تنشئة وتربية، وتمثل قيمة الحرية لا يأتي بين عشية وضحاها. وإنما يحتاج إلى معاناة لا تقل قيمة وألما عن معاناة الوقوع في يد الاستبداد.


اسكلا: قمع الحريات وحالات اعتقال ناشطين بسبب الرأي أو التظاهر ، وتزايد ظواهر تبرز نوعا من الشوفينية الدينية باسم الإسلام من تهديدات بالقتل وتهم بالكفر والإلحاد لناشطين...كل ذلك هل يدخل في ما أسميتموه سياقات تعلم الديمقراطية ؟
رجب: أولا علينا أن نذكر وكما قرّر ذلك كثير من المتابعين والباحثين أنّ الصراع الايديولوجي في تونس لم يكن حاضرا في المشهد الأول الذي توج نضالات التونسيين بهروب الرئيس السابق. وسجلنا أنّ السجال الايديولوجي بدأ يظهر في رحاب الهيئة العليا للإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة، حيث أثيرت قضايا عديدة تتعلق بموضوع الهوية والتي اعتبرت مستفزة لأطراف ذات مرجعية اسلامية. ونعتبر أن اليسار بإثارته لهذه القضايا قد هيأ لانحراف التدافع السياسي من موقع المواقف والخيارات السياسية والبرامجية إلى موقع المغايرة على أساس الهوية، أي إلى المستوى الايديولوجي. ونرى أنّ الانزياح إلى هذا المسلك يفتح الباب واسعا للفعل ورد الفعل. إنّ ظاهرة التدين الموسوم بالغلو يجب أن نفهمها في سياق دور الدولة في تونس التي عملت منذ بداية تجربتها بعد الاستقلال إلى توجيه الشأن الديني وفق خيارات تتناقض مع مسار التاريخ الثقافي لفئة من المجتمع. من هنا نقرأ ما يحدث في تونس من ظواهر غلو ديني في إطار رد الفعل الذي تعبّر عنه بعض الفئات الاجتماعية تجاه ما تعتبره سياسية استئصال وتجفيف لمنابع التدين في البلاد. لذا ورغم ما قد يبدو في هذه الظاهرة من تهديد لمكتسبات ثقافية واجتماعية، وكذلك ما قد يقع من أحداث عنف فإني أعتبر أنّ هذه الظاهرة عرضية وليست هيكلية لأنّ التاريخ الاجتماعي والثقافي لتونس يبيّن بوضوح أنّه ليست التربة المثلى لاستنبات مثل هذه الظواهر. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإنّي كذلك أرى فيما يقع مظهرا من مظاهر التدرب على الديمقراطية.


نحن مدينون للشهداء والجرحى
اسكلا: ماذا عن الثمن الذي قدمه الشعب ؟
رجب: عندما يقدر المراقبون والملاحظون الكلفة المادية والبشرية للثورة التونسية مقارنة مع الثورات الأخرى، يسجلون أن الثورة التونسية كانت كلفتها أقل، ولعل قيمة الثورات لا تقدر بالكلفة من الناحية الكمية، فشهيد واحد أغلى مما يمكن أن نتصور و قطرة دم واحدة أثمن مما يمكن ان نتصور...ويمكن النظر إلى المسألة من جهة عامل المفاجئة أولا، وعامل الوعي السياسي الذي عبر عنه المجتمع التونسي عامة ثانيا، ووطنية مؤسسة الجيش ثالثا، كل ذلك ساهم بأن تكون كلفة الثورة أقل...   

اسكلا: كيف تعاملتم مثلا مع شهداء الثورة والجرحى ؟ 
رجب: هناك لجنة تقصي حقائق قامت بالتحقيق في ظروف وملابسات استشهاد شهداء الثورة المجيدة والجرحى الذين أصيبوا، وتقريرها في المراحل الأخيرة من حيث الصياغة والتقديم والاعتماد. وهنالك مجتمع مدني يشتغل في العدالة الانتقالية  وتمكين أسر الشهداء والجرحى من التعويضات، هي في الحقيقة لا يمكن أن تقابل ما قدموه للثورة لكن هو فقط نوع من الاعتراف الرمزي والمعنوي، كما أنشئت وزارة لحقوق الانسان والعدالة الانتقالية  وقدمت في فترة الحكومة الانتقالية الثالثة دفعة من التعويضات وهناك اجراءات للتعويض بصدد الاعتماد وجزء من الجرحى أرسل إلى خارج الوطن للعلاج... وأرى أن كل مكونات المنتظم السياسي و مجتمع مدني ومن عائلات الشهداء والجرحى تسعى إلى نوع من التضافر، وأتمنى أن يكون فيه تكامل أيضا لننتهي من هذا الملف في أقرب وقت حتى يلتفت المجتمع إلى استكمال ملفات أخرى.


التغيير لا يمكن أن يتم بالاستنساخ
اسكلا: في الأخير ماذا تقول للشباب المغاربي؟

رجب: أقول نحن معنيون بالاستفادة من تجاربنا المختلفة هذا أولا، ثانيا ألا نيأس ونفقد الأمل في إمكانية التغيير، وثالثا وهو الأهم ألا نعتبر أن التغيير إنما يتم باستنساخ التجارب، أبدا ! لا يجب أن نفكر بعقلية أنه يجب أن نستنسخ التجربة التي وقعت بالبلد الفلاني أو في البلد الثاني ونريد أن نسقطها بحذافيرها أو في جزء منها على أوطاننا. فلكل بلد خصوصيته من حيث تاريخه السياسي و الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وعليه فإن النظر والتفاعل و التعامل مع مختلف المفردات السياسية و الثقافية... والمتغيرات وقراءتها إنما يجب أن يكون بنوع من العمق و التقدير العلمي و العقلانية  اللازمة حتى نتشوف إلى إمكانيات الاخراج  في التعديل والتغيير.

أجري الحوار يوم 12 أبريل 2012

0 التعليقات:


جديد: مقالاتي في كتاب الكتروني للتصفح - اضغط وسط الاطار -

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

 
-