مدونة الهوامش المنسية : رصد و حوارات و تساؤلات...من أجل تكريس الحرية و الكرامة و ثقافة الاختلاف لقد تم تغيير اسم المدونة ليصبح " الهوامش المنسية " و سيتم تخصيص صفحة للابداع الشعري تحت اسم " هوس الكلمات ".... كما تمت اضافة مقالات جديدة في ساحة الحوار ...... ..... حركة 20 فبراير : دعوة متجددة للاحتجاج الاجتماعي السلمي ..... ممتن و شاكر لزيارتكم .... للتفاعل و التواصل k.isskela@gmail.com

دراسة: الطقوس الجديدة للأجساد - الجزء الثالث -





3- رهانات العناية بالجسد :

خلصت الدكتورة (عائشة بلعربي) في دراستها عن العناية الجسدية لدى النساء إلى تصنيف مختلف رهانات تلك العناية تصنيفا تقريبيا Categories approximative - لكن له أهمية إجرائية، ففي الوقت الذي حاولنا الاستفادة منه حاولنا التجديد فيه والإضافة إليه قدر الإمكان، تبعا لخلا صات دراستنا هذه:

3 -1 - الجسد الهوية :

يتم بناء الجسد اجتماعيا، أي باستحضار الآخر، ليبدو وكأن الجسد حامل لهوية ذاتية وهوية غيرية في نفس الآن. إذ هناك حوار بين الفرد وجسده الخاص، إذ يستمتع الفرد بجسده ويحدد نفسه انطلاقا منه، من جهة، ومن جهة أخرى هناك تحديد للجسد انطلاق من نظرة الآخر، إنه " الظهور بمظهر لائق" كما تقول إحدى المنحوتات. أي الظهور بالمظهر الذي يعتبره المجتمع لائقا.
يمكن أن نقول أن هذا التصنيف يجمع ما بين ما تسميه (د. عائشة بلعربي) الجسد كموضوع خاص والجسد كطعمِ Appat . لأننا نرى أنه يصعب التمييز ما بين الفردي والاجتماعي في هذا الصدد، بل إن التفاعل الاجتماعي هو الذي يبني ويؤسس العالَََم الاجتماعي .
يمكن أن نشير مثلا إلى الإعاقات الجسدية أو امرض المنغولية باعتبارها أحد أمراض الصبغيات chromosomes- les، اومتلازمة داون –Syndrome-Down... إن هذه "الأمراض" ،إذن ، لها جانب بيولوجي صرف، لكن هي أيضا إعاقة اجتماعية، بما أن المجتمع يضع تصورا للجسد النموذج، وكل خارج عنه يعتبر معاقا جسديا ، في حين أنه معاق اجتماعيا قبل أن يكون معاقا جسديا .
إذا كانت الأنثى تستلذ بآلامها مقابل شهادة الشرف كما تقول (د. دامية بنخويا) فإن الرهان على التقدم العلمي في ميدان الطب لتجاوز آلام الولادة مثلا يعتبر رهانا غير مكتمل/غير إجرائي، لأنه يتضمن الفهم بأن ذلك الألم ألم طبيعي بيولوجي صرف.
إضافة إلى انه قد نجد "ألما" لدى الذكور يتحدد بشكل من " الاخصاء " و"الثقاف"... وتحريم السلوك الجنسي إلى لحظة "حاسمة" يجب أن يظهر فيها عن جدارته بتحمل المسؤولية، وبشهادة المروءة والرجولة. لا يحصل الذكر على شهادة الشرف رغم سلوكياته الجنسية إلا إذا توضحت ليلة افتضاض بكارة عروسه .
3-2 - الجسد الأيروتيقي :

نبرز هنا أن الجسد يكون موضوع استهلاك من طرف الآخر، هذا الآخر هو آخر متعدد ومفتوح، قد يكون مغايرا في السن، وفي الجنس وفي الانتماء، كما أن علاقة الاستهلاك هذه ليس تناسلية بالضرورة, بل إنها جنسية لذية .
تقول(ن.ا), 24 سنة,سكرتيرة في مقاولة "إذا كنت تعني طرق عنايتي بجسد أو بنفسي ، لأن الاهتمام بالجسد و الظهور بمظهر لائق، لابد وأنه يعطي استرخاء أو إرضاء للذات، وشعورا بالارتياح... " وغير بعيد عن ذلك يقول (و.ا) 18 سنة، طالب جامعي: "بعد أخذ حمام ساخن،... أجد سعادة كبيرة في النظر إلى جسدي، في المرآة... عضلات متناسقة، قوام رشيق... ربما هذا هو الشكل الذي يتمناه كل شاب في مثل سني".
رغم قلة عدد المبحوثين (18/4) الذين ابرزوا علاقتهم اللذية بأجسادهم. إلا أن المهم عندنا هو إبراز هذا الجانب "السيكولوجي" المتعلق بهامش واسع من المكبوتات و الإحباطات النفسية .
وكذلك، يظهر الجانب الجنسي في علاقة الفرد بأجساد الآخرين، فإذا كانت هناك عناية بالجسد من أجل إرضاء الذات،إذ تكررت تيمه "إرضاء الذات " لدى) 18/10)من المبحوثين (9/7 إناث، 9/3 من الذكور). لقد أشار أغلب الذكور إلى أن سلوكاتهم تلك شيء عادي واعتيادي، وسائد في المجتمع. بالتالي هناك عناية بالجسد من أجل إرضاء المجتمع، أي من أجل تعريف الذات من خلال الجماعة.
لكن هناك أيضا انتظارات للفرد من الآخر، أي ما يجب أن يكون عليه الآخر ليلبي حاجياتـ(نا) النفسية والاجتماعية، يقول (م.م) 25 سنة، سائق سيارة أجرة: "أنا لا أحب المرأة السمينة لا أعتقد أنني سأجد معها راحتي نفسيا وحتى اجتماعيا" . تقول (ح.ح) 25 سنة، "في مجتمعنا هناك تبخيس للفتاة النحيفة الرقيقة... كعمود الإضاءة... فالسمنة رمز الجمال والوضع الاجتماعي الرفيع" .
لقد تحدثت لنا (ح.ح) 25 سنة،و التي يعود أصلها إلى مدينة العيون ، عن ظاهرة السمنة لدى النساء، باعتبارها رمزا للمرأة الكاملة ورمزا لانتمائها إلى أسرة راقية اجتماعيا واقتصاديا ، أن المثير للاهتمام هنا هو أن ظاهرة السمنة ليست نتاج لنمط السلوك الاستهلاكي الاعتيادي ، بل أن هناك قصدا وسعيا لتشكيل جسد الفتاة على شاكلة معينة ، إذ أن ساكنة الجنوب المغربي خصوصا كما تؤكد لنا (ح.ح) يرفع من قيمة و من شأن الفتاة السمينة، فهناك عدة طرق و وسائل لتشكيل هذا الجسد كما هو مرغوب فيه: مثل عملية " التبلاح " Al-Tiblah، "والحكين " Al-Hgine... وهي عمليات تجبر فيها الفتاة على تناول أطعمة بكمية كبيرة جدا (ثمر، شحم ولبن و لحم الإبل ، كسكس مجفف...) أي جملة من الوجبات الغذائية الدسمة ،و تخضع الفتاة للراحة كما لا تتعرض للشمس... كما يتم ضربها بعيدان رقيقة في مناطق الساقين والساعدين والردفين بغية انفصال الجلد عن العظام... إن الغاية هو بروز أعضاء الجسد وذلك إضافة إلى شراب من الأعشاب يساعد على تنظيف الأمعاء ، كما يمكن غسل الأمعاء بإفراغ كميات من الماء المالح فيها عبر المخرج ...
إن كانت المرأة تبدي حساسية ما تجاه الجسد، فإن الذكور كذلك، نجد مثلا أشكال وطرقا للاهتمام بالعضو التناسلي ومعالجة المشاكل التناسلية –العجز أو البرود الجنسي، إبراز العضلات ... رغم أن مقابلاتنا لم تزودنا بتفاصيل حول هذه العوالم بصفة جريئة.

3-3 - الجسد الاستهلاكي:

ينتج الإنسان/الجسد ثقافة اقتصادية استهلاكية باستمرار. إن حاجياته لا حدود لها، غذائية مثلا، لكن حتى الغذائية منها يجب أن تتمتع بمواصفات بما أنها تتحول وتتبدل كل حين، وكذا حاجيات تزينية... إنها كلها حاجيات متحولة تبعا لسوق الاستهلاك.
لقد لاحظ كل من (بودريار) و (لوفيفر) « زيادة في أهمية العناصر الثقافية على علاقات الإنتاج الحالية ، وكأنه لا يمكن للمرء أن يفهم الظواهر الاجتماعية دون الفهم الجيد للدور الخاص بالثقافة وثقافة إنتاج السلع والخدمات. يقول (بودريار) في كتابه -نظام الأشياء- إن الأثاث التقليدي كان يميل إلى أن يكون شخصي الطابع تعبيريا ودالا على التاريخ العائلي، على الذوق والتراث، أما الأثاث الحديث، فهو على العكس من ذلك أكثر وظيفية، أكثر قابلية للتحرك، أكثر مرونة مجرد من العمق والرمزية والأسلوب الشخصي» .
يقول (و.ب) 20 سنة ، صاحب صالون حلاقة: "أنا استعمل كثيرا ملابس رياضية xxxx بذلك أعلن تميزي، وانتمائي إلى مجموعة من الأفراد في العالم الذين يحبون فريق xxxx لكرة القدم" ضمن هذا السياق أشار حوالي( 18/10) من المبحوثين إلى استعمالهم لأزياء تحدد انتمائهم، وذوقهم السياسي أو الفني أو الديني...
يعتبر (بودريار) الأزياء علامة من علامات ما بعد الحداثة، حيث يرى أن العلاقات الاجتماعية أصبحت مخترقة بواسطة الصور الزائفة وذلك لأن عارضات وعارضي الأزياء أصبحوا يحددون طبيعة الأزياء وأشكالها. وإضافة إلى عروض الأزياء ويرى ( بودريار ) أن فنون الإعلان وعمليات التجميل تعتبر تفوقا لكل أشكال التعبير السطحي . ربما هذا ما يعبر عنه (م.م) 25 سنة في قوله: "هذا زمن المظاهر"الزواق".
يعتبر الجسد حجر الزاوية في" كل " إشهار، خصوصا الجسد الأنثوي، بل أيضا في ما يطلق عليه "أغاني الفيديو" فالجسد حاضر بكثافة، دعاية لسلعة، سواء سلعة مادية (سيارة، شقة...)، أو معنوية (أفكار، مؤسسات...) إن حضور الجسد الأنثوي هنا، ضارب في أعماق الميتولوجيا الإنسانية، انه جسد للإغواء والإغراء وجسد للخصوبة والتقديس في نفس الآن. إنه استثمار أبدي لجسد الأنثى باعتبارها محاكية لعشتار أو لافروديت أو لايزيس ، أو لحواء، أو لعائشة قنديشة ... كلها تغري الذكر لتسوقه إلى فقدان اصالتة. لكنه أيضا استثمار ابدي لجسد الذكر باعتباره محاكيا للسماء، أو لكوبيدون ، أو لآدم... انه يغري الأنثى بما أنه الأصل والمخصب والمكمل.
من خلال المقابلات التي أجريناها، وردت مواقف متعددة من قولة شعبية تتحدث عن العلاقة بين المظاهر وجوهر الفرد . أشار( 18/16) من المبحوثين إلى أن الأساسي في الفرد ليس مظهره/جسده وإنما جوهره وقيمه وأخلاقه وطريقة تعامله، رغم أن ثلاثة (3) منهم أشاروا إلى ضرورة الربط بين المظهر والجوهر باعتبار أن المظهر يعبر عن كنه شخصية الفرد وعن ذوقه. لكن ما كان مفاجأ هو قول من ( ) 24 سنة، ربة بيت: "جوهر (داخل) الثمرة عظم".

4- أنواع العلاقة بالجسد :

يعود تحديد نوع التمثلات والمواقف تجاه الجسد انطلاقا من الطبقات الاجتماعية إلى السوسيولوجيا البورديوزية، اذ يعتبر (بيير بورديو) الهابتوس الجسدي تحيين عملي للهابتوس العام. باعتبار الهابتوس قاعدة توجيه للسلوك مرتبطة بالوضعية الاجتماعية .
عبر التواصل الصامت يتم استدخال وتطبيع العالم الاجتماعي والنظام الاجتماعي. إذ يتم التعلم والفهم/ Apprendre et comprendre- بواسطة وعبر الجسد بشكل غير واعي، على هذا المستوى نفهم لماذا ترد جملة "هذا شيء عادي" لدى كل أفراد العينة( 18/18). نعم إنه "العادي" البديهي، الطبيعي... الذي يجب فهمه وتفسيره.
إن هذا "العادي " يخفي عوالم من التصورات المخيالية.. l imaginaire social- فمن أجل التمييز بين "نحن" و"هم"، بين "أنا" و"هو" يتجه الأفراد والجماعات إلى تقنيات الوشم الاجتماعي مثلا، باعتبارها انسقة دلالية سميائية يتعرف من خلالها الجميع على جسد الفرد ووضعه الاثني والاجتماعي. بل حتى داخل نفس الجماعة، يساهم التراتب الاجتماعي في إبراز فئوية جديدة، ليتم التمييز أيضا على مستوى الاختلافات الجنسية، الطبقية، الدينية،...
خلص (بولتانسكي) من خلال "قراءته" (لبيير بورديو) إلى أن الطبقات الشعبية يعقدون علاقات آلية و اداتية بالجسد، فمثلا« يعتبر المرض عطلا في النشاط "الفيزيقي" النشاط المهني خصوصا، إن الشكوى التي توجه للطبيب تصاغ غالبا على أنه "نقص في القوة"، إن المرض إذن ينزع من أفراد هذه الفئات القدرة على جعل أجسادهم مجرد استعمال، مهني خصوصا، مألوف» . فقط هناك استحضار الجسد باعتباره آلة outil تفترض منها الجودة في الوظيفة والتحمل. التسامح الكبير مع المرض بـ"الصبر".
إن الأفراد ذوو المهن اليدوية والحرفية من عينتنا (9/3) بناء، ميكانيكي، نجار، أبدو حساسية نسبية تجاه أجسامهم، فارتباطهم بأعمال ترتكز على الجهد العضلي الآلي، لا يلغي إبداء عناية خاصة بأجسادهم. خصوصا بعد الانتهاء من العمل وفي المناسبات. لكن هذا يبدو أكثر لدى النساء (9/5) إذ رغم وضعيتهن الاجتماعية والاقتصادية المتدنية (خادمة بيوت وربة بيت من آيت أورير، أرملة خياطة تعيل أسرة من 4 أبناء تسكن بسكن عشوائي،...)
تقول (ج.ج) خادمة بيوت: "أحيانا أستعمل بعض المرهمات للحفاظ على بشرتي فكثر الغسيل والعمل تسبب لي الحساسية في اليدين والقدمين...". كما تقول (ح.ح) 25 سنة: " عندما نذهب إلى الحمام نضع الحناء، الغسول، المسواك الزيت للشعر... الحالة عيانة لكن نحمدوه ونشكروه خصنا نعيشو حياتنا ونخلقوا فرحنا" .
في نفس السياق تتحدث (ح.ا) عن كيف كانت، كغيرها من الفتيات، على حد تعبيرها، حين كانت تلميذة في الإعدادي، كانت تخرج من بيتها بوزرة طويلة، وما أن تنزوي قليلا بعيدا عن المنزل حتى تبدأ مرحلة التزيين والتجميل وارتداء ملابس عصرية، أحيانا تكشف عن الساقين والسرة... تقول: "ربما الآن أصبحت أفهم أكثر ما كنت أفعله ، إذ أن الحياة التي نعيشها مختلفة تماما عن تلك التي نراها في الأفلام المكسيكية والفيديو كليبات..." . إن هذا الكلام يبرز بشكل جلي إحدى أثار الثورة الإعلامية . فقد أصبح الفرد مشحونا بجملة من الصور وأنماط السلوك ونماذج للترف والحياة الرغيدة، ونماذج للسعادة والنجاح... لا تتماشى بشكل تلقائي مع نوع الهابتوس الذي يمتلكه الفرد. فالسلوك الذي ينتظره منه المجتمع ليحقق اندماجه ونجاحه الاجتماعي لا يناسب وليس نتيجة لمساره الشخصي، مما يفرز حالة من الاغتراب والاستلاب. فالإتيان بسلوكات ما لا يعني بالضرورة اكتساب الهابتوس المناسب لها. فالمهم هو الاستعمال المشروع للمنظومات الرمزية، أي القدرة على تحويل العالم والتأثير فيه. «إن أذواق واشمئزاز الأفراد مدينة لمسارهم الاجتماعي ولوضعيتهم في لحظة معينة تصبح بالتالي محددا اجتماعيا يسم ويعلن عن الانتماء الاجتماعي للوكيل الاجتماعي/ Agent إلى جماعة ما. (العمال، البرجوازيين الصغار، البرجوازيين الكبار، الأغنياء الجدد...) أي جماعة تتميز بانسجام الأحكام الجمالية» .
قد يكون واضحا جدا، مقدار الانتباه والتنبه الذي يبديه من اعتبرناهم خلال الدراسة فئات اجتماعية راقية، واقعيا يمكن اعتبارها فئات اجتماعية متوسطة (موظفون، أطباء، أساتذة، أبناء أصحاب الشركات، أبناء مقاولين عقاريين...).«إن أنشطتهم المهنية باعتبارها أنشطة نظيفة و"فكرانية" أي أنها لا تتطلب لا قوة ولا كفاءة فيزيقية خاصة. حيث أن الأفراد يميلون إلى علاقة واعية بأجسادهم ويتدربون بطريقة منهجية على إبانة و التعبير عن أحاسيس ،هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تفضيل "أناقة" وجمال الشكل على حساب القوة الفيزيقية» .
إن هذا التمايز، الذي كان واضحا لدى (بيير بورديو) في لحظته ومكانه ملتبس، الآن في هذه اللحظة الزمنية،« في كنف الاستهلاك، وتحت تأثير التزايد الديمغرافي لصالح الفئات المتوسطة، وتحت تأثير تزايد الحساسية الفردانية التي تعطي هامشا من المناورة أكثر مما مضى» .
كما انه ملتبس في هذه اللحظة المكانية-المجتمع المغربي، إذ أن التشكيلة المغربية تتميز بالهجانة. فالعلاقات الطبقية، بالمعنى الماركسي، تتسم بالضعف ، فالانتماءات العرقية والقبلية والدينية والهوية واللغوية تبقى أهم من الانتماء الطبقي، بل إن التمايز الطبقي غير متبلور أصلا، فالأمر يتعلق بحالات انتقالية. أي الانتساب إلى تنظيمات اجتماعية متعددة ومختلفة ومرتبطين بالقطاع الرأسمالي الليبرالي المعولم، يبقى إذن طرح ( بول باسكون ) متقدما و إجرائيا. حيت أننا أمام مجتمع مركب-composite.
فإذا كان ممكنا تصنيف العلاقة بالجسد على أنها تتميز بالفردانية التي تميل إلى نوع من النرجسية، على حد تعبير( بودريار ) ،عند فئات الراقية . وعلاقة أذاتية آلية عند الفئات الشعبية. كما خلص إلى ذلك( بيير بورديو) و (بولتانسكي)، فان هذا القول يبقى سهلا ومتسرعا في إسقاطه على المجتمع المغربي.
يمكن الحديث عن "علاقة مركبة" relation composite":أي علاقة بالحسد تتسم بالتركيب، باعتبار المزج بين أنماط عديدة من السلوكات التقليدية، والدينية، والأسطورية، والاستهلاكية...، بين النزوع إلى الفردانية، والاغتراب والاستلاب...
يرى (لوبروتون) أن الجسد الذي أنتجته الحداثة في المجتمعات الأوروبية عكس المجتمعات التقليدية. جسد منفصل عن الكوسموس –cosmos- باعتبار أن الماكروكوسموس غير مفسر للإنسان، وإنما علم التشريح وفيزيولوجيا لا توجد إلى في الجسد، ومنفصل عن الآخر، باعتبار المرور والانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الفرداني حيث الجسد يعتبر حدا للشخصية، وأيضا منفصل عن الذات عينها، باعتبار وضع الجسد كمختلف ومغير عن الشخص ذاته .
إن هذا التحديد يفرز إشكالات أكثر مما يرفع التباسا، هل تعتبر موجة "تحرير الجسد" والنزوع نحو التشبيب، والأناقة والحضور الكلي للجسد في الإشهار والموضة... نزوعا نحو فردانية نرجسية أم أنه سقوط في ملكية آليات الإعلام والإشهار والاستهلاك؟
نجد نوعا من التماهي والتساوق بين حضور الجسد في بعض المواسم بالمجتمع المغربي مثلا ، وحضور الجسد في السوق الاستهلاكي. وكأننا أمام جسد طقوسي بامتياز جسد محاكي للصور والعلامات الفيتيشية الإعلامية في "جذبة/حضرة" السلوك الاستهلاكي حيث يعيش الجسد انمحاء وعنفا يوميا، بما أنه هو ذاته القربان والأضحية التي تقدم لتحقيق القبول والاندماج الاجتماعي.

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

امشوا نيك اماتكم ياحمير واشي راكم تديروا واشي راكم تكتبوا على اجسادكم الناجس لعنت الله عليكم


جديد: مقالاتي في كتاب الكتروني للتصفح - اضغط وسط الاطار -

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

 
-