مدونة الهوامش المنسية : رصد و حوارات و تساؤلات...من أجل تكريس الحرية و الكرامة و ثقافة الاختلاف لقد تم تغيير اسم المدونة ليصبح " الهوامش المنسية " و سيتم تخصيص صفحة للابداع الشعري تحت اسم " هوس الكلمات ".... كما تمت اضافة مقالات جديدة في ساحة الحوار ...... ..... حركة 20 فبراير : دعوة متجددة للاحتجاج الاجتماعي السلمي ..... ممتن و شاكر لزيارتكم .... للتفاعل و التواصل k.isskela@gmail.com

العزة وتازة أولا وغزة ثانيا


العزة وتازة أولا وغزة ثانيا

كريم اسكلا


لا يستطيع أحد أن يجادل في مأساوية واقع القضية الفلسطينية، ومقدار الظلم الذي لحق أهلها، من تقتيل وتشريد في استباحة تامة لكل التشريعات والمواثيق والقيم الانسانية. لكن لن نجادل أيضا في مأساوية المتاجرة بها،  فقد تاجر بهذه القضية أطراف عديدة منذ بدايتها بما فيها الحركة الصهيونية، وبما فيها أيضا بعض الفلسطينيين الخونة، ويضاف إلى ذلك مجموعة من الأنظمة الدكتاتورية سواء العربية أو الإسلامية أو الغربية...وكذلك نخب ظلت ترهن مستقبل الشعوب بحل هذه القضية. وآخر استغلال سافر لهذه القضية العادلة دعوات مجموعة من التوجهات بالمغرب إلى مسيرات للتضامن مع القدس بمناسبة اليوم العالمي للأرض. فنبل القضية ونبل الدعوات الانسانية والحقوقية للتضامن من أجل هذه القضية، لا يجب أن ينسينا الاستغلال البشع لمثل هذه القضايا لأغراض غير نبيلة، فما معنى أن تخرج مسيرات تسمى تضامنية بحجة الحق في الحياة والعيش الكريم للشعب الفلسطيني...ولا تخرج المسيرات ذاتها للمطالبة بالشيء نفسه في بلداننا ؟
لقد وصل بنا الحال، في المغرب، إلى درجة التنافس في التضامن مع الآخرين، " ففي ذلك فليتنافس المتنافسون"، حيث فجّر التضامن مع القدس والشعب الفلسطيني صراعا بين «مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين» و« الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني» و« الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة»، وقد فرض هذا الصراع تنظيم  أكثر من مسيرة وطنية، كانت الأولى يوم 25 مارس من تنظيم «الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة» و مسيرات أخرى يوم 30 مارس  من تنظيم الجهة نفسها، بينما نظمت مسيرات أخرى يوم فاتح أبريل وأشرفت عليها «مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين» و»الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني »... وانهمك الإعلاميون والمحللون في مقارنة عدد وعدة كل طرف في محاولة منهم لفرض أجندة مغايرة للهم المحلي.
هؤلاء  "المجاهدون" و "المناضلون" و "الحقوقيون" ( باستثناء بعض الفعاليات الحقوقية ) لم يخرجوا للتضامن مع شهداء البرد القارص بمرتفعات الأطلس، أو مع ضحايا النصب والاحتيال باسم النجاة، أو مع ضحايا نهب صناديق التقاعد والعقار والسياحة، أو مع المنتحرين من أجل الكرامة، أو العطشى واليتامى و الأرامل والحفاة بين صحاري وجبالات المغرب المنسي، أو مع الأمهات اللائي يلدن في الشوارع أو في الممرات، أو مع أطفال وفتيات تستغلهم مافيات تجارة اللحم البشري، أو ضحايا النصب باسم القروض الصغرى، أو ضحايا الهجرة السرية، أو العمال والعاملات الذين يتم تسريحهم...
 إننا هنا لا نعمم الكلام على الجميع، فلا ننفي أن العديد من الفعاليات المتبنية للقضايا الانسانية بما فيها القضية الفلسطينية منخرطة في الحراك الاجتماعي المحلي وتتبنى أيضا وبشكل كامل القضايا الوطنية والمحلية... فكلامنا هنا يعني بالدرجة الاولى هؤلاء الذين يريدون أن يجعلوا من القضايا الانسانية الخارجية (القضية الفلسطينية مثلا) أفيونا لإلهاء الشعوب عن قضاياها المعيشة.
هؤلاء "المجاهدون" و "المناضلون" و "الحقوقيون" ينسحبون إلى "رهبانيتهم" حين يتعلق الآمر بالقضايا الوطنية، وباسم "الخروج في سبيل الله" ينصرفون عن الترافع من أجل المشاكل والقضايا الحقوقية المحلية إلى الانزواء في "خلوتهم"، ولا نسمع لهم صوتا إلا عندما يتعلق الأمر بطفل هنالك أصابته نعلة الأعداء، ويتناسوا أن سياط الإخوة  أكثر قسوة من سياط الأعداء ...
هؤلاء "المناضلون" و "الحقوقيون" لا يتألمون لبكاء طفل أو امرأة أو رجل مغربي ...ويتألمون ويئنون فقط  لصرخة امرأة شرقية...فقد جلد أهل أسفي ..وكأن على رؤوسهم الطير...واحترقت تازة ...ولم يحركوا ساكنا..وتسحل جبالات الريف ..وقد أسمعت لو ناديت حيا ...وانتفاضة سكان اميضر ووكليم لازالت مستمرة...وانتفاضات أخرى عديدة يصعب حصرها في مقامنا هذا... لكن ردا على كل ذلك قالوا أن "الفتنة نائمة نعل الله موقظها "، وقال اخرون أن "السقف الذي يظلهم ليس هو ذات السقف الذي يظل الشعب".
 فجأة ..وبعد "خلوتهم في سبيل الله" ها هم يخرجون ذات يوم بارد ..في ليلة كذبة سخيفة... والذريعة دماء غزة ! بأي وجه سنعلن تضامننا مع غزة ؟... وغزة وبالرغم من أنها محتلة ومحاصرة وفي حالة حرب...لكنها متقدمة علينا في مؤشرات التعليم... ! نحن أولى بالتضامن. شعب أمي... وشعب حر متعلم، من يجب أن يتضامن مع من ؟
 بمناسبة يوم الأرض تضامن هؤلاء "المناضلون" و "الحقوقيون" مع شعوب تعيش فوق أرض ما كيفما كانت، تضامنون مع الشعوب كلها باستثناء شعبهم الذي يعيشون بين ظهرانيه.
أيها "المناضلون" و "الحقوقيون" غزة تقول لكم :
 كل من لا يتضامن مع شعبه لا يعول عليه.
لا خير يرجى ممن لا ينتصر لشعبه.
لا تناصرون شعبكم فكيف ستناصرون شعوبا أخرى؟
أيها "المناضلون" و "الحقوقيون" متى كان بإمكان عبد مملوك أن يتضامن مع سيد، فذلك الطفل الحامل للشارة والحجارة...سيد نفسه، فما عساكم تقدمون نفعا لأسيادكم ؟  إن أفضل شيء نقدمه لفلسطين وللشعوب المقهورة هو أن نحرر ذواتنا من القهر والظلم والطغيان...فالكرامة والعزة والتحرر ( القضايا المحلية والوطنية ) أولا، وغزة ( القضايا الانسانية ) ثانيا.


المقال منشور في موقع كلامكم 

رسالة تهكمية وهراوات في ذكرى اليوم الوطني لكرامة الأستاذ

في ذكرى اليوم الوطني لكرامة الأستاذ
 الوفا يرد برسالة "تهكمية" والعنصر يرد بالهراوات


الرباط - كريم اسكلا - 28 مارس 2012 -

تعرض الأساتذة والأستاذات المشاركون في مسيرة يوم الكرامة صبيحة يوم الاثنين 26 مارس 2012 لتدخل أمني وصف "بالهمجي" وغير المبرر وذلك أثناء توجههم إلى ساحة البريد، مما نتج عنه عدة إصابات منها حالات خطيرة تم نقلها إلى المستشفى، وعوض الاعتذار في يوم الذكرى كما يطالب به الأساتذة، "تواصل قوى القمع سياستها الهمجية وتكرر نفس سيناريو السنة الماضية" حسب ما ورد في العديد من التعليقات على الفايسبوك تعليقا على الحدث.

ويقدر عدد الخسائر في التدخل الأمني في حق الأساتذة في ذكرى يوم الكرامة بحوالي 30 إصابة من بينها كسر على مستوى القدم تعرض له الأستاذ رشيد بندير- وتجدر الإشارة أن رشيد بندير كان قد تعرض في 26 مارس من السنة ا على مستوى الماضية لكسر على مستوى الأنف بسبب التدخل الأمني أيضا- و قد نقل المصابون بسيارات الإسعاف للمستشفى. أما المعتقلون فقد كان عددهم 9 أطلق سراحهم حين وصولهم للدوائر الأمنية بعد تفتيشهم و تجريدهم من الصور و الفيديوهات الموثقة للتدخل و قد تعرض اثنان منهم للضرب داخل سيارات الشرطة بعد أن قاوموا الاعتقال و السخرية من رجال الشرطة.
لقد تلقت التنسقية الوطنية لأساتذة التعليم الابتدائي والاعدادي حاملي الاجازة رسالة من وزير التربية الوطنية محمد الوفا ( حصلنا على نسخة منها) يرد فيها على طلب التنسيقية الوطنية للأساتذة المجازين التحاور معه بخصوص ملفها المطلبي المسطر منذ سنوات. حيث ثمن الوزير المكتسبات التي حققها ملف الاساتذة المجازين السنة الفارطة من ترقية للسلم 10 , و منح سنتين جزافيتين للمجازين القدامى, وإلحاق تاريخ الشهادة بتاريخ الترسيم، دون أن تشير الرسالة إلى بقية مطالب التنسيقية مثل مطلب تغيير الإطار وخارج السلم في الابتدائي، وتوحيد المسار المهني، وإرجاع السنوات المقرصنة ...أي تسطير نظام أساسي ينصف جميع الفئات. مما جعل الأساتذة يصفون الرسالة ب" التهكمية". فبعد الرسالة "التهكمية" جاء "رد وزير الداخلية بقمع مسيرة الأساتذة مع سبق الاصرار والترصد" كما علق أحد المشاركين.
وجدير بالذكر أن التنسيقية الوطنية للأساتذة المجازين وجهت دعوة لتخليد ذكرى يوم كرامة الأستاذ(ة) بمناسبة مرور سنة على التدخلات العنيفة التي واجهت بها قوات القمع المغربية الاحتجاجات السلمية لأساتذة وأستاذات التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي حاملي الإجازة يوم 26 مارس 2011 في ساحة البريد بالرباط، والتي خلفت أكثر من 180 إصابة متفاوتة الخطورة بين صفوف الأستاذات والأساتذة، منها 3 حالات نقلت في حالة خطيرة، والذي شكل جزءا من حملة القمع الشرسة التي تعرضت لها كل الفئات التعليمية المتضررة من الفساد وسوء التدبير المستشريين في وزارة التربية الوطنية (الزنزانة 9، التربية غير النظامية، الدكاترة، الأساتذة حاملي الماستر، أساتذة سد الخصاص، التكوين التأهيلي، الأساتذة المجازون، ملحقو الاقتصاد والإدارة، الملحقون التربويون…) الذين تلقوا هجمات "قمعية متهورة" عوض معالجة مشاكلهم.
حيث أبت الأسرة التعليمية إلا أن تجعل من هذا التاريخ يوما وطنيا لكرامة نساء ورجال التعليم داعية وزارة التربية الوطنية إلى إصدار مذكرة وزارية تجعل من يوم 26 مارس من كل سنة يوما وطنيا لكرامة الأستاذ(ة). إلا أن الأجهزة الأمنية أصرت على منع وتفريق المسيرة رغم سلميتها. وكما صرح لنا أحد الأساتذة المشاركون في المسيرة، ف"حتى هذا الدستور الذي فصلوه على مقاسهم يعمدون إلى خرقه في كل حين" مشيرا إلى مصادرة حقهم في الاحتجاج السلمي. حيث ردد المحتجون شعارات تندد ب"حالة عسكرة العاصمة" وتزايد المعالجة القمعية للحركات الإحتجاجية " العدالة والتنمية ... الزرواطة في كل مكان" ... وقد شبه البعض هذا بنوع من فرض حالة الطوارئ بالمغرب بعد تعيين حكومة الاسلاميين.
وردا على تكرار الخرق الواضح للدستور، والمتمثل في التنكيل والتعنيف ومصادرة الحق في الاحتجاج وسرقة وتحطيم هواتف الاساتذة وكاميراتهم ولافتاتهم ومكبرات الصوت... قرر الأساتذة تميد الإضراب يومين اخرين وتسطير برنامج نضالي يرفع شعار إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية ورجال ونساء التعليم. ومن جهة أخرى الاتجاه إلى تأسيس "حركة تصحيحية داخل النقابات القائمة، أو ربما، الإلقاء بها في مزبلة التاريخ لصالح جسم نقابي جديد" ردا على تخادل الجسم النقابي القائم، كما جاء في ورقة تعريفية بالاتحاد الوطني لتنسيقيات المغرب.

شريط فيديو يؤكد تعرض الأساتذة للتعنيف يوم 26 مارس 2012 في ذكرى يوم كرامتهم

المقال منشور في  موقع كلامكم 

الأسباب السيكولوجية والسسيولوجية للتطرف


الانتماء للإنسان
الاسباب السيكولوجية والسسيولوجية للتطرف


يعتبر التطرف ظاهرة اجتماعية قديمة قدم العلاقات الإنسانية، إلا أن أشكاله و تمظهراته و أسبابه تبقى متغيرة تبعا لتطور المجتمعات. ففي خضم الصراع حول السلطة داخل الجماعات البشرية، قد تغالي جماعة ما في سلوكاتها ومواقفها كي تتميز عن الآخرين، و كي تشكل قوة أكثر تنافسية. فالتطرف ( أو التعصب ) هو الخروج على المألوف بالمغالاة في الرؤى والسلوك.



 يرتبط مفهوم التطرف بالعديد من المفاهيم كالتمييز و العنصرية و التعصب  الديني أو الطائفيي أو الجنسي  ، وفي الغالب ترتبط هذه السلوكيات المتطرفة بسلوكيات مادية متطرفة أو عنيفة في مواجهة الأفراد أو المجتمعات 
و إذا كان التطرف ظاهرة اجتماعية  إلا أن له خلفيات سيكولوجية، باعتباره سلوكا عصابيا مرضيا ،حيث يمكن أن نشير إلى بعض الأسباب النفسية المؤدية للتطرف و التعصب كالآتي:


1)         الدوافع التدميرية النفسية المتأصلة: و مصدرها غريزة الموت والميل التدميري ( العدواني ) سواء الموجهة إلى الذات أو إلى الآخر، و هو ميل متأصل ضارب الجذور في تكوين الأفراد .

2)         ضعف " الأنا العليا le moi supérieur - " وسيطرة " الهو Ego -" ، على الشخصية الإنسانية: فيتصرف الشخص في هذه الحالة وفق غرائزه الحيوانية المتماهية مع من  يعتقد أنهم رمز للقوة والمثل الأعلى له، وتتكون هذه الشخصية لدى الأفراد الذين يعانون  عقدة نقص، بالتالي تكون هذه الميول ردة فعل للإحساس بالضعف والعدوان الدفين. فقد يلجأ الفرد تخلصا من القلق ومشاعر الإثم المرتبطة بنقائص يدركها في شخصيته وسلوكه إلى إسقاط هذه النقائص على الآخرين، فإذا كان كاذبا  مثلا اتهم الكل بالكذب و سعى إلى محاربتهم.

3)         تضخم الأنا العليا بسبب الشعور المتواصل بوخز الضمير: وهذا رد فعل من الفرد لتطهير ذاته والتعويض عن تقصيره تجاه نفسه أو معتقده الديني، وغالبا ما يقترن ذلك بالاشمئزاز من النفس والاكتئاب لتستحوذ عليه حاجة ملحة لانتقاد نفسه والسعي إلى إنقاذها من الهلاك.

4)         الإحباط و الفشل في الوصول إلى الأهداف أو الرغبات: فهناك من يتمرد ويظهر السلوك العدواني أو المتطرف نتيجة شعوره بالهزيمة أو الفشل و الجرح النرجسي، وكلما كان موضوع الإحباط مهما لدى الشخص أو يتعلق بمجال حيوي ومباشر، كعدم حل عقدة أوديب -  complexe oedipe -  مثلا،  كان الإحباط أشد وظهرت ردة الفعل بصورة أقوى وأعنف.

5)        هذيان العظمة و هذيان الاضطهاد -/ paranoïaque Délire paranoïde : هذيان العظمة هو عرض مرضي عقلي، ويعني اعتقادا يسود فكر المريض بأنه شخص عظيم. و هذا راجع إلى عدم تجاوز مراحل التمركز حول الذات و عدم النجاح في تجاوز مرحلة المرآة ، حيث يشير "لاكان Jacques Lacan - " مثلا، إلى أهمية تجاوز طور المرآة -  Le stade du miroir- في بناء الذات السوية.و هذا ما نلمسه عند بعض الأشخاص –كبعض المشايخ و المتفيقهون مثلا - الذين يتمادون إلى حد تاليه أنفسهم. كما أن الإسراف في السيطرة والعقاب الصارم، هذا فضلا عن الاختلال الأسري، و الفقر... وكذلك الصدمات الانفعالية والأمراض الجسمية الشديدة في الصغر، قد تولد لدى الفرد مشاعر الاضطهاد التي قد تؤدي إلى سلوكات ومواقف عنف و تطرف.

6)         الشخصيات الفصامية : الشخصية الفصامية -  Dissociatif- تمثل حالة مرضية تجعل صاحبها منفصلا عن الواقع، مخطئا في تقدير ظروفه، خاليا من المشاعر، وغير مكترث بشيء ( أي غير مبال ).


إن تلك الأمراض و العقد ذات الطبيعة السيكولوجية تختلف من فرد إلى فرد من حيث الدرجات و من حيث الخطورة، فكلنا مرضى سيكولوجيا، لكن الفرق هو في مدى و كيفية السعي لتحقيق الاستواء و التوازن النفسي.

و إذا كانت مسببات التعصب متنوعة و متعددة فمظاهره متعددة كذلك، فقد يأخذ التطرف شكل التمييز على أساس الجنس أو السن، فالشاب قد يعلن عن انتمائه لعالم الذكور/الفحول باحتقاره لعالم النساء، أو عن انتمائه لعالم الكبار بتعسفه على عالم الصغار. كما قد يأخذ شكل التمييز على أساس اللون (أسود/عزوة/عزي/سوقي/... # الأبيض) أواللغة ( شلح/عروبي فسني/شيعي.بي /متحضر/مديني )،أو على أساس  العرق، أو الدين و العقيدة ( مسلم /مسيحي...# كافر)، أو المذهب و الطائفة ( سني/شيعي...# كافر ) أو الانتماء الجغرافي ( فاسي /رباطي... #  ورزازي/ صحراوي ...)... ( نحن # هم). إن التعصب بشكل عام هو احتكار المرء للحقيقة و الفضيلة، فيكون الآخر دائما على خطأ وباطل و أقل شأنا و أقل ذكاء. فالمتطرف كأنما يقول لك: من حقي أن أتكلم.. ومن واجبك أن تسمع.. ومن حقي أن أقود.. ومن واجبك أن تتبع.. رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب. يبرز التطرف إذا كشكل من أشكال الجمود الفكري و شكل من أشكال رهاب الاختلاف باعتباره عجز المرء عن تغيير وجهة نظره ووضع نفسه مكان الآخـــر لفهمه وتفهم وجهة نظره.

إن غريزة الظهور التي تغدي كل تلك الأشكال من التطرف و التعصب لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه بانخراط الفرد المتطرف في جماعات انتماء توفر له غطاء روحيا و فكريا و دينيا، فعملية إثبات الوجود تكون في الغالب من خلال الاندماج  في جماعة معينة يتماهى معها الفرد  إلى درجة أن آراءه هي أراء الجماعة التي ينتمي لها، بشكل تذوب فيه شخصيته وعقله وتغييب روحه النقدية. انه تجلي فاضح لمبدأ الوصاية على العقل و النفس و الجسد،  إن هذا المبدأ يفسر الانتماء لجماعات الماريخوانا ،و الحشيش ، و" الماحيا – الخمر الرخيص -"، والجماعات الدينية ، والعصابات الإجرامية،... فالانتماء من الأمور الحيوية في حياة الإنسان بل لا يكاد يخلو أحد منه سواء كان إلى قبيلة أو دين أو لغة أو قومية أو طائفة. لكن المشكلة تكمن في أن يكون الانتماء طريقة لإقصاء الآخر غير المنتمي إلى نفس الطائفة أو الدين ومن هنا تكثر المنازعات والخلافات، وبالتالي تنجر إلى عصبية ومن ثم التطرف و العنف.
فالإنسان قد يقضي حياته يدافع عن أرائه وعقائده التي ترعرع في كنفها ونشأ عليها وهي بالنسبة له من المسلمات الغير خاضعة إلى نقد أو تحليل ، وحتى لو امتلك هذا الإنسان الشجاعة في مناقشة أرائه فان هذه المناقشة أو التساؤل لا يرتقي إلى عملية النقد العلمي البناء.

نلاحظ مثلا أن الكثير من الشباب عندما ينتمي إلى مجموعة معينة فهو يقلدها، أي يقبل أرائها دون فكر وروية و دون تمحيص، وهنا تكمن خطورة التعصب لأنه يعد خطوة الانطلاقة إلى ظاهرة التطرف، وباختصار فادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة يؤدي إلى التعصب،و التعصب يؤدي إلى التطرف ثم ينتهي إلى العنف . فقد برزت بشكل ملفت  الكثير من التيارات التي تتخذ العنف وسيلة للتغير والإصلاح سواء كانوا من مسلمين أو غيرهم... وهذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تهدد العالم في أمنه واستقراره وتعيد للأذهان صور الدمار والخراب التي خلفتها أعمال هذه الجماعات المنحرفة؛ منشؤها الحقيقي هو تطرف الفكر. فإذا تطرف فكر الفرد اتجه به نحو التشدد والغلو، تم ترجمه جرائم واعتداءات و تدمير للأنفس والجماعات. يبدأ الأمر إذن بالتعصب لفكرة تعصباً لا يعترف معه الشخص للآخرين بوجود، و تشبثه بفهمه تشبثا لا يسمح له بالنظر بمنظار مخالف. و قد يذهب هذا التعصب إلى أقصاه حين يستغل الدين في الترغيب و الترهيب، عملا بقانون من هو مع تصوري للدين فهو امن و من ضده فالسيف و التقتيل والسبي...، و هذا ما نشهده في المجتمعات المعاصرة حيث ينخرط بعض الشباب في جماعات تتحدث باسم الدين والله و تسقط عصمة الآخرين، وتستبيح دماءهم وأموالهم، ولا ترى لهم حرمة ولا ذمة، لا لشيء سوى لأنهم لا يشاطرونها الأفكار نفسها.

 فذلك الشاب التائه بين طواحين الإفلاس المستديم و البطالة و تفسخ مؤسسة الأسرة بعد أن أجبر الآباء على الصراع من أجل الخبز و الضروري من الأشياء، و تهلهل المؤسسات التعليمية و فشلها في الإدماج السوسيواقتصادي لأفواج من حملة الشواهد، و المجتمع المدني المدين – عليه ديون تبعية للدولة - ... ذلك الإنسان التائه لا بد و أن يستجير – كالمستجير من الرمضاء بالنار - بأقرب مجموعة من البشر تبشره بالحور العين و النعيم، و تتوعده  بالجحيم، بطبيعة الحال لن يقبل إن يعيش في جحيم آخر.

 ليس غريبا أن أفراد مثل تلك الجماعات يشتغل بالمسائل الجزئية والأمور الفرعية، فنرى كثيراً منهم يقيم الدنيا ويقعدها من أجل حلق اللحية أو الأخذ منها أو إسبال الثياب، أو تحريك الإصبع في التشهد، أو اقتناء الصور الفوتوغرافية،أو تلاوة الأدعية في الوضوء،أو التحية و رد التحية،أو البدء بالميامين،أو عند الرد في الهاتف هل نقول "ألو Allo -  " أو السلام ... !  منتصرين للدين الطقوسي على حساب الدين الروحاني. و الغريب  حقاً أن من هؤلاء الذين يثيرون الجدل في هذه المسائل الجزئية وينفخون في جمرها باستمرار، هم أكثر الناس تفريطاً في واجبات أساسية مثل: بر الوالدين،  أو أداء العمل بإتقان، أو رعاية حق الزوجة و النساء، أو حق الأولاد، أو حق الجوار،... مبتعدين عن جوهر مفهوم الدين باعتباره الالتزام بالقيم الأخلاقية بمعناها الجمالي، ومبتعدين عن القضايا الكبرى للإنسان كالعدالة و الكرامة. كيف لا و هؤلاء الشباب المغرر بهم يُدفعون إلى ترك تلقي العلم من العلماء و رجالات الفكر و من الكتب العلمية، بل يُجرون جرا  إلى مجالسة الأصاغر والتتلمذ عليهم، أو الأخذ من الكتب الصفراء.

زبدة القول أن التطرف و التعصب  باعتباره نتيجة للأزمات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الفكرية والنفسية هو في الآن نفسه تكريس لعوامل الظلم و الاهانة و الفقر و ليس بأي حال من الأحوال  تغيير لها. لا يمكن للفكر الأحادي – الدوغمائي – المتطرف أن يينع إلا في بيئة تقتل الاختلاف و التعدد،  في بيئة اختار  أفرادها التمركز حول دواتهم، والنكوص إلى مراحل  الانغلاق والانكماش  الجنيني ، نكوص إلى الفطري ضد المكتسب، نكوص إلى التقليد ضد الحداثة، نكوص إلى الحيواني ضد الإنساني. بالتالي فلتحصين أنفسنا من تلك الأمراض و المنزلقات ليس أمامنا سوى تعزيز ثقافة الحوار و الانفتاح، و الرأي و الرأي الآخر،و الانتصار للعقل و المنطق و المصالح المشتركة، و امتلاك الشجاعة لنقد الذات، والاعتراف بالخطأ، والترحيب بالنقد من الآخرين، وطلب النصح والتقويم منهم، والاستفادة مما عندهم،...

إن المبدأ الإنساني الأخلاقي يفرض علينا الإيمان بالحق في الاختلاف، بما يتضمنه من معاني التسامح والاعتراف بالآخر و التعايش المشترك، و إعلان الانتماء إلى الإنسان و الانتصار للجمال و الحب. في مواجهة الأعداء الحقيقيين: كالظلم، و الفقر، والجهل، و الحروب، والكراهية وغياب الحريات والحقوق...


جديد: مقالاتي في كتاب الكتروني للتصفح - اضغط وسط الاطار -

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

 
-