مدونة الهوامش المنسية : رصد و حوارات و تساؤلات...من أجل تكريس الحرية و الكرامة و ثقافة الاختلاف لقد تم تغيير اسم المدونة ليصبح " الهوامش المنسية " و سيتم تخصيص صفحة للابداع الشعري تحت اسم " هوس الكلمات ".... كما تمت اضافة مقالات جديدة في ساحة الحوار ...... ..... حركة 20 فبراير : دعوة متجددة للاحتجاج الاجتماعي السلمي ..... ممتن و شاكر لزيارتكم .... للتفاعل و التواصل k.isskela@gmail.com

دراسة: الطقوس الجديدة للأجساد - الجزء الثاني -





1- الجسد والمقدس :

1-1- العناية بالجسد كسلوك اعتيادي .

يبدو وكأن العناية بالجسد باعتبارها نظافة اعتيادية معطى طبيعي عند أغلب عينة البحث، إنها سلوك يومي طبيعي... لا يتم الحديث هنا عن الجسد إلا باعتباره مظهرا خارجيا، أي أن العناية بالجسد هنا هي أبراز لمظهر خارجي نظيف.
إن هذا التطبيع الاجتماعي يجد له سندا دينيا لدى( 18/10) من المبحوثين، يقول (ك.م.) 25 سنة، عاطل: "النظافة من الإيمان، والله جميل يحب الجمال... حتى أن الدين يوصي بالاهتمام بالنظافة، لأداء العبادات من غُسل ووضوء مثلا" إن ممارسة الطقوس الدينية هنا مرتبطة أشد الارتباط بالتعبير الجسدي، أي أن الجسد يجب أن يكون "طاهرا" بل أن السلوكات المرتبطة بالنظافة الاعتيادية على هذا المستوى: مثل الوضوء والغسل... أي جملة من الضوابط والقواعد الواجب احترامها، يجعلنا نسلم بضرورة إعادة التفكير في ثنائية الجسد/ الروح، إذ أن الجسد هنا يخضع لكل ما يمكن أن يعيشه الفرد من إكراهات وتصورات ومواقف، عموما لكل ما ينطوي تحت الثقافة.
نجد في المقابل، أيضا فهم لهذه العناية الاعتيادية، فهما أقرب منه إلى الفعل العقلاني القصدي، دون أن تكون له حمولة قيمية. تقول (ح.أ) 24 سنة، معلمة : "... عادي جدا... بعد يوم طويل من العمل والجهد لا بأس من أخد –دوش- حمام للاسترخاء وتنشيط الدورة الدموية".

1-2 - العناية كسلوك ايروتيقي .

تمت الإشارة في سياق الحديث عن العناية بالجسد إلى الحمام العمومي LE Bain عند
( 18/16) مبحوث. إذ تتم زيارة الحمام العمومي سواء بشكل دوري (كل جمعة، كل سبت أو أحيانا أو حسب مناسبات معينة).
تتحدث الدكتورة( تراكي زناد (T. Zannad عن الحمام العمومي باعتباره مؤسسة اجتماعية تصنف ضمن أهم العناصر المكونة للمجال في المجتمعات الإسلامية ، إذ هناك جملة من القواعد والطقوس المصاحبة لعملية الاغتسال في الحمام من استعداد على مستوى جملة من المواد والوسائل.
يحظر الحمام كفضاء ايروتيقي- فضاء لطقوس العناية وطقوس العلاج..-: «مكان للرطوبة بامتياز، وفرة للماء من جهة، وجو لصيانة متميزة للحرارة والدخان. كل ذلك مؤمن بجدران...
وإضاءة تخترق زجاجا سميكا على العموم» . إنه فضاء مشحون جدا، فضاء حميمي. تقول (أ. أ) 20 سنة طالبة: " الحرارة ... رطوبة... التقاء مع فتيات ونساء ... ممتع جدا... أنا أنسى نفسي أنسى كل شيء"، إنه مكان/زمان الجسد بامتياز.
الحمام أيضا فضاء طقوسي ديني، مرتبط بلحظات النفاس والحيض عند النساء، والغسل من الجنابة عند الرجال . إذ أن (18/8 )من المقابلات تربط بين الحمام والممارسة الدينية.
يشير كل من (مالك شيبل) و(الرازي نجاة) إلى نظرة تستحضر الجسد الأنثوي كمدنس. ففي الزمن الذي تعلن فيه المرأة عن تميزها عن أنثويتها، تنتابها مشاعر النجاسة والقذارة، نجاسة لا شك وأنها نتاج اجتماعي ترسخ عبر سيرورة تاريخية طويلة.
لكن ما نود الإشارة إليه هو حضور إحساس القذارة والنجاسة أيضا عند الذكر. فخروج المني منه يستوجب طقوسا للتطهير، كما أن بحث الذكر عن الأنثى / البكارة، عن المرأة التي لم يلمسها ذكر قبله، قد يستبطن إحساسا لا واعي بأن الرجل مصدر تلويث، إنه يبحث عن المرأة التي سيطمثها –يلوثها- هو وحده.
بالتالي فإن الغسل/النظافة، خصوصا في فضاء الحمام، يعتبر تطهيرا ضروريا. وكأننا بصدد طقوس التطهير كما في المجتمعات البولونيزية- Polynesien ، كما أشار إليها R.Caillois) ) في دراسة عن الطقوس الجنسية للتطهير عند قبائل الطانكا Thongas ليخلص إلى أن المبدأ المحرك لتلك السلوكات هو الاعتقاد بأن الفرد مدنس بالموت عبر مصدر حياته. هكذا يعتبر الفرد حامل لنجاسة عبر الشيء الذي يعطيه الحياة .

2- طقوس الاعتناء بالجسد : بين الركح والكواليس .

2-1- الماكياج : لعبة الأقنعة .

أشارت (9/7 )من المبحوثات إلى استعمالهن لمواد تزينية بشكل أو بآخر، قد تكون مواد طبية أو طبيعية ”كالحناء، زيت...“ إنها جملة من الوصفات ذات الطبيعة العلاجية –الغذائية- الجمالية، يصبح الماكياج Maquillage مثلا، بهذا المعنى ملتبسا، حيت أن «فائض الإنتاج في العناصر التجميلية، وإبداع تقنيات جديدة للتزيين، والاعتبارات الإشهارية تمكنت من جعل معنى "الماكياج" معنى واسع، وغير دقيق، لقد ارتبط بالجمال، بالطب، بجراحات التجميل، وأحيانا بالغذاء... إن بعض المنتوجات تفرض التساءل حول أين تنتهي العناية الصحية-العلاجية وأين يبدأ البحث عن الأناقة والجمال. لنفهم أن الجمال يؤكل أيضا، لكننا لا نعرف متى نكون سليمات ومتى نكون أنيقات–Coquette-» .
تقول (س.م) 24 سنة، تعمل بإحدى الأسواق الممتازة: "الآن هناك وفرة وتنوع في مواد العناية بالجسد، مواد تصنع على أعلى مستوى، لم يعد الماكياج مثلا من "الكماليات" إن (9/5) من المبحوثات يستعملن مواد تزين بعلم و رضاء عائلاتهن، في حين أشارت (9/2 )إلى أنهن يخفين ذلك عن أسرهن. لكن ما الهدف من هذا؟ تقول (ج.ج) 20 سنة، خادمة في البيوت: "أنه التمتع بصحة جيدة وإرضاء الذات هذا كل شيء... لا يمكن أن أكون سعيدة بجسد كله تورمات أو جسد غير متناسق، بل حتى أن المجتمع لن يكون سعيدا بذلك" إن هذه الفتاة التي التقيناها ب "آيت أورير" ، وذات المستوى الاجتماعي الضعيف، كسرت في تفكيرنا الاعتقاد بأنه من المفروض أن نجد فتيات من مستوى اجتماعي ضعيف أو متوسط تصرف أموالا باهظة في الاعتناء بجسدهن/مظهرهن الخارجي، ذلك لنفهم أن العناية الايروتيقية بالجسد لا تميز طبقة أو فئة اجتماعية، بل وجدنا انه يكفي إذن أن نساءل المعنى الذي يعطيه الفرد لسلوكاته، إن هذا ما أكدته لنا أستاذة في التعليم الإعدادي، 23 سنة: "...كل واحد وكيف يعتني بجسده سواء كان غني أو فقير... ماذا تسمي وضع الكحل، الحناء، الزعفران، السواك ، الوشم... كلها عناية بالجسد عند النساء القرويات، بل أكثر من هذا حتى لدى الذكور ماذا نسمي الاهتمام بحلاقة الشعر والذقن وإبراز العضلات... إنه أيضا عناية... إغراء ربما" تقول (س.م): "...هناك فتيات يضعن الحجاب، لكن مثلا يكون ضيقا، ويضعن مواد تجميل خفيفة وكحل على العينين... إنه تزيين (صمت) إثارة للانتباه أيضا، وحتى التي تضع النقاب ربما هي دعوة للرجال لاكتشاف ذلك المخفي".
لقد أكدت (9/2 ) أنهن لا يستعملن المواد التجميلية إطلاقا وذلك مبرر بحكم قيمي أخلاقي يحرم الإغراء والتبرج. إن هاتين المستجوبتين متمايزتين من حيث المستوى الدراسي (ابتدائي/ثالثة جامعي) ومن حيث الانتماء الاجتماعي (آيت اورير/جليز). لكنهما تتفقان على أن المرأة/الفتاة الفاضلة لا يمكن أن تتزين إلا في مجال آمن وسري ولأجل إرضاء زوجها فقط .
هل التجميل خاصية نسائية؟ هل يتعلق الماكياج بعالم المرأة الأنثى فقط؟ أم أن الذكور يواجهون هذا الموضوع بالإخفاء؟ إذ لم ترد إشارة واضحة إلى تجميل أو استعمال مواد معينة يقصد منها التزين لدى عينتنا من الذكور (9/8)، رغم أن البعض تحدثوا عن اعتنائهم بتسريحة الشعر، وحلاقة الذقن، عطور، ملابس. يقول (و.ب) مثلا، 20 سنة، صاحب صالون للحلاقة والتزيين: "رغم أن الناس يربطون الزينة والاهتمام بالجسد بالنساء، لكن هناك مجال أيضا للذكور (...) وممارسة رياضة تقوية الأجسام أو فقط رياضة الجري لإبراز العضلات المفتولة والواضحة رمز الرجولة". يرد هذا الكلام متناسبا مع إشارة للدكتور (مالك شيبل) إلى أهمية رمزية اللحية والشارب في المجتمعات المغاربية. إذ لا ترتبط بمعنى الرجولة فحسب، بل بالمروءة أي بالرجولة الكاملة . أو كذلك من خلال حديثه عن الأنف وارتباطه بالأنفة L honneur أو بشكل عام مختلف عناصر الوجه التي تتحول من عناصر بيولوجية مرفولوجية إلى اختراقات ثقافية للجسد وعبر الجسد.
إن ميلاد ثقافة الزينة والاعتناء الانثربو-ثقافي الطاعن في القدم بجمال الجسد، نقل الجسد الإنساني من حالته الأداتية إلى حالته الاستمتاعية الليبيدية. اذ مرت من استخدام الأعشاب إلى إمبراطوريات الموضة الحديثة. إن الانتباه إلى المعيش اليومي مثلا لبائعي و رواد الأعشاب العلاجية في حلقات خاصة في جامع الفنا بمراكش مثلا أو متاجر خاصة بطب الأعشاب يزودنا بمثن هام لم يتم الانتباه إليه بعد على مستوى الدرس الانتروبولوجي والسوسيولوجي.
يراد لثقافة ما أن تركن إلى الهامش الاجتماعي ، أي إلى ذلك المجال المحتضن للمحرم، بالتالي تكون محتضنة لأعمق ركائز السياقات الانتربوثقافية: نتحدث هنا عن ذلك الخطاب المتسرب من أبواب المجتمع الخلفية: النكتة، السب و الشتم – Injure ... أي خطاب يتناول الجسد الخاص: خطاب حول قِصر أو عدم انتصاب العضو التناسلي لدى الذكور، ظهور أعراض فيزيولوجية مصاحبة للإفرازات المهبلية لدى الإناث، صغر الخصيتين، صغر أو ضخامة الثديين، شعر أطراف الجسد ،... إنه معيش يومي لابد وأنه سيقربنا من فهم المخيال الاجتماعي. لكن الأكيد أنه يتطلب دراسة متأنية.
إن ما بهمنا ، الآن ، هو أن المرأة على هذا المستوى تطالب بالعناية بنفسها بجسدها بجمالها حتى ترضي جمهور الذكور على وجه الخصوص. وكأننا بصدد مازوشية أنثوية، أو بصدد إعادة إنتاج قيم النظام الاضطهادي بتواطؤ من المضطهد ذاته. ليكون استعمال الماكياج و عدم استعماله انخراطا في لعبة الأقنعة الاجتماعية بشكل أو بأخر.
كما أن إماطة اللثام عن المعيش الشبقي لمجتمع الذكور قد ينبئ بالتباس عميق على مستوى الهوية الجنسية، باستحضار المراوحة والتأرجح الملحوظ بين مسلكيات تعتبر ذكورية وأخرى تعتبرت أنثوية.

2-2 - الأزياء : لعبة التصنيفات :

لم يكن الزي منفصلا عن الجسد خلال كل الاستجوابات التي قمنا بها ، وكأنه حين نتحدث عن الزي فإننا نتحدث عن الجسد، إن للزي وظيفة إظهار وتمييز على مستويات عدة: الجنس، السن، الثقافة، الدين ،الانتماء الاجتماعي...إنها لعبة التصنيفات بكل وضوح . إننا في المجتمع المغربي مثلا يمكن أن نميز ما بين "الحايك" الصحراوي، و"الحايك" الصِويري، والأزياء المميزة لسكان الأطلس المتوسط كقبائل دادس (ممتدة ما بين مدينتي وارززات والراشدية): "تاسبنيت Tasbniyte - "، " تاشطات Tachtate- " ... أو القفطان والقبعة الخاصة بساكنة جبال الريف بشمال المغرب...
إن ما يهمنا، اللحظة، هو أن هناك « نزعة قطيعية متصاعدة في مجال اللباس، وأن هذه القطيعية تتوقف على نوع من التبعية التي تجعل البعض يتخذ نمطا من اللباس، ومن ثمة الجسم، مثال ذلك لباس الشباب والشعر الطويل ونماذج الاقتداء المختلفة بمختلف النجوم » . لقد أشار
( 18 /6 ) من المبحوثين بينهم فتاتين إلى حرصهم على ارتداء ملابس بماركات محددة ، إما رياضية تحيل على رياضيين نجوم معينين أو فنانين سينمائيين . في حين أن البعض لا يبدي أي اهتمام بنوعية ملابسه. يقول (م.م) 25 سنة، سائق سيارة أجرة: "... في الحقيقة لم يسبق لي أن فكرة أصلا في ما الذي يحدد نوعية ملابسي... ربما زوجتي... استعمل أي شيء يكون نظيف ومتناسق هذا هو المهم" ، و يؤكد (ص.أ) 25 سنة طالب جامعي أن : "هناك من يبالغ في نوعية الملابس مثلا، هناك ملابس باهظة الثمن رغم منظرها العادي، هناك من يهتم بماركات معينة دون غيرها أنا أكتفي بالملابس المتوفرة في الأسواق بأثمنة متوسطة، جد متوسطة"
لا تتحدد الحساسية تجاه الزي ، بالجنس، حيث أن ( 9/5 ) من الذكور يظهرون اهتماما واضحا بنوعية الأزياء التي يستعملونها. وإن كانت نسبة الإناث، على هذا المستوى، أعلى (9/8). كما لا تتحدد بالانتماء الاجتماعي بشكل مباشر، إن الأزياء التي يفوق ثمنها ألف درهم للقطعة مثلا، نجدها في الأحياء الراقية، كما قد نجدها أو نجد مثيلا لها في الأحياء الدنيا والمتوسطة. كما انه لا يتحدد بالمستوى الدراسي . ألا يعتبر هذا، على الأقل على مستوى الظاهر، اتجاه نحو التوحد وانتفاء التراتب الاجتماعي ، أي شكل من أشكال تخفيف التمايز الاجتماعي. أم أنه إخفاء اجتماعي لمقدار التضاد و التراتب داخل المجتمع؟ إن هذا الانخراط العام في موجات موضة الأزياء، قد نجد له فهما في ما يسميه ( بيير بورديو ) الهابيتوس الفردي، فقد يتعلق الأمر باستعدادات ناظمة و منتظمة لدى الأفراد باعتبارها حاجات اجتماعية لتأكيد الاندماج الاجتماعي.
تتفق أغلب المقابلات التي تحصلنا عليها مع ما يشير إليه (رولان بارط) في حديثه عن الاتجاه نحو « إلغاء الفرق بين الجنسين في اللباس، فالجسم –اللباس- يفقد تمايزه والجسم يتحرر من اللباس. ويعود العري إلى الظهور في مرونة وفسحة اللباس المنفتح بسهولة» .
لا يهمنا هنا الوقوف عند أنواع الزي التي يتجه إليها الأفراد، وإنما نريد أن نشير إلى أن وسائل الإعلام –الثورة الإعلامية المعلوماتية، وانفتاح السوق الاستهلاكية... قد عولمت - أنماط من اللباس/الجسد . إذ لا بد وأنها تحدث رجات عميقة في نمط العيش ونمط الاستهلاك داخل المجتمع المغربي . وإن كان قولنا هذا يتطلب بحثا ودراسة مستفيضة ومتفرغة إلا أنه يمكن أن نشير إلى ضرورة استحضار هذا البعد على هذا المستوى.
إذا كنا نشهد استعمالا مرنا ومتحرر للجسد الكاشف حتى عن أعضاء الجسد المحملة بالمحرم Tabou بالتالي محمل بالأساطير، أو ما يسميه (مالك شبل) "تابو العورة" نشير مثلا إلى البطن، الثديين، الأرداف، السرة... بالنسبة للإناث، وشعر الصدر، العضلات المفتولة... بالنسبة للذكور. فإن هناك اتجاه أيضا نحو "إخفاء" هذا "الجسد" بكامله خصوصا الجسد الأنثوي، وذلك بجملة من التصورات التي تزيحه نحو المسكوت عنه انطلاقا من تفكير أخلاقي قيمي. لكن واقع الممارسة اليومية يزودنا بالتباس يتعلق بالفهم الذي يعطيه الأفراد لممارساتهم. في هذا الصدد تقول (ح.ا) 24 سنة، معلمة: "إن الحجاب نوع من الاعتناء بالجسد، نوع من الإغراء... إظهار للعفة...للطهر... إظهار للبكارة والعذرية- تضحك-" . يمكن أن نلحظ أيضا أن المجتمع لا يسعى إلى إخفاء الجسد الذكوري في الحين أنه قد يكون هو أيضا موضوع استيهامات سواء من قبل النساء أو الذكور. هل الحجاب إذن حجب أم كشف؟ لكن ألا يعتبر ذلك دليلا على أن حتى النص الديني يفسر انطلاقا من وجهة نظر مجتمع الذكور؟ وهذا ما قد يكون دفع ( Germaine Tillon ) إلى القول بأن الدين الإسلامي ليس بالضرورة هو المتحكم في فرض الحجاب على النساء بالمقارنة مع ظاهرة الغيرة الذكورية التي تميز هذه المجتمعات ..
يرى ( بيير بورديو) أن التقسيم الاجتماعي/ الجنسي المنحاز إلى الذكر يمكن اعتباره شبه عام في جميع المجتمعات، رغم أنه نتاج اجتماعي لسيرورة تاريخية ، إن الذكر هنا كائن ذو شرف وعزة، باستحضار عدم افتراق امتيازات الشرف عن السلطة داخل المجتمع. إن ذلك التقسيم نجد له تعبيرا في الطقوس، في البنية المجالية لدور السكن، إذ هناك تميز بن المنزل والعالم الخارجي (الحقول)... إن ذلك يفسر ويرتبط بالتمثلات الرمزية حول الجسد، وبعلاقات الهيمنة بين الجنسين، أي بين مهيمن ومهيمن عليه، -إن حديث ( بورديو) هذا كان خلاصة دراسة حول المجتمع الجزائري (القبائل Kabyle-) ليبرز بذلك كيف أن التقسيم الجنسي للعمل، عكس التصور البيولوجي- المورفولوجي، لا يتعلق بعوامل بيولوجية: جينات وهورمونات... بل إنه بناء اجتماعي .
إن المهم بالنسبة ل(بيير بورديو) هنا، ليس نفي الجوانب البيولوجية، وإنما إبراز أهمية البناء الاجتماعي للجسد، إذ أن الفرد يستدخل ويجسد- Incorporer مجموعة من النظم وطرق السلوك، والحكم، والكلام،... بطريقة لا واعية، -بهذا المعنى فإن المهيمن عليه يستدخل دونيته الاجتماعية بتجسيدها، على شكل عدم المهارة الجسدية الخجل، الحشمة... "إن المجتمع يشرعن علاقة الهيمنة بدمجها في طبيعة بيولوجية، التي هي ذاتها بناء اجتماعي ثم تطبيعه" . يمكن ان نستفهم أيضا هل النزوع إلى تغيب مجموعة من المقاطع عن اللباس يعبر عن تجاوز مجموعة من الأساطير المقيدة للجسد أم هو تكريس لها؟

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

رجاء رجاء أريد الكتاب الكترونيا ، أي إطار أضغط عليه ....؟ رجاء أحتاجه في أطروحتي


جديد: مقالاتي في كتاب الكتروني للتصفح - اضغط وسط الاطار -

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

 
-