عصيد: التاريخ أكبر الطابوهات السياسية في المغرب على الاطلاق وهناك تزوير في التاريخ الرسمي الذي يدرس والشرعية السياسية للعديد من الأشخاص مبنية على التاريخ المزور
قال عصيد من وارزازات ان قبر ادريس الثاني ظل مجهولا ستة قرون واكتشفه المرينيون مما يطرح كثيرا من الأسئلة حول صحة هذه الرواية/
تقرير كريم اسكلا.
كسر الاستاذ الباحث أحمد عصيد
صمت مدينة وارزازات وهدوئها بمحاضرة تحث عنوان العلمانية والديمقراطية يوم 22
دجنبر الجاري، حيث تمكن من خلق نقاش جاد وجريء حول الشرعية الدينية والشرعية
الديمقراطية في الدولة الحديثة.
الموقع حضر اللقاء وأعد
تقريرا مفصلا عن أهم ما جاء في مداخلة الأستاذ عصيد والتي وصفت بإحدى الدروس
البيداغوجية لعصر النهضة المغربية. فأمام العشرات من الحاضرين، الذين حجوا إلى
القصر البلدي بوارزازات، شكر الأستاذ أحمد عصيد أهل مناطق الجنوب الشرقي، وقال أن هذه
المنطقة لها تاريخ عريق، وأعطت الكثير من الطاقات والكفاءات المعترف بها دوليا
ووطنيا. ولكنها مقصية ومهمشة، وأردف قائلا أن سبب مشاكل هذه المنطقة هو في بناء
الدولة المركزية بعد الاستقلال، والتي ركزت كل شيء في مثلث الرباط الدار البيضاء
فاس، وتناست مناطق قدمت للوطن الشيء الكثير لكن لم يقدم لها أي شيء.
وتأتي المحاضرة حسب عصيد للإجابة
على أسئلة راهنة تأتي في السياق الذي يعيشه المغرب بعد الانتفاضات الشعبية في شمال
افريقيا والشرق الاوسط، فالثورات والانتفاضات الشعبية حسب عصيد جاءت بنقاش جديد
يتميز بأنه شجاع وفيه الوضوح، إذ لم يعد فيه نفاق
ولف ودوران ولغة الخشب. بمعنى أن لغة الخشب تراجعت لصالح لغة الوضوح بين
المواطنين وبين الفرقاء السياسيين سواء داخل المؤسسات أو خارجها. وهذا مكسب كبير يرجع
الفضل فيه مغربيا الى حركة الشارع المغربي، حركة 20 فبراير التي حررت المغاربة من
الخطوط الحمراء التي كانوا يخافون منها، والتي كانت تمنعهم من النقاش الحر والشفاف.
وأضاف أن المغرب لم يستطع بعد رفع كل الخطوط الحمراء، بسبب
ما اعتبره طرح وثيقة دستورية ليست بالمستوى المطلوب.
وفي سياق حديثه عن حصيلة
ما افرزه الحراك الاحتجاجي بالمغرب أكد أن الدستور الذي لا ينص على فصل السلط ليس
دستورا ديمقراطيا، إذ اعتبر أنه لازالت نفس السلطة تترأس السلط الثلاث، ولازالت
مقاليد الأمور في يد الشخص الواحد. وقال أن القيم الأمازيغية كالمساواة والحرية
والعدالة غائبة عن جوهر الدستور. كما تغيب عنه أسس البناء الديمقراطي السليم. وخلص
إلى أنه لا يمكن للدستور الحالي أن يخرج المغرب من أزمته.
وقد أرجع الاستاذ المحاضر
سبب الارتكاس في مجال دمقرطة الدولة إلى تدخل الدين في السياسة. وأشار إلى ضغوط
مارستها العدالة والتنمية والسلفيين لعدم دسترة حرية المعتقد، وسمو المواثيق
الدولية، واعادة صوغ الفصل الذي يحدد هوية الدولة بحيث تصبح اللغة الأمازيغية
متأخرة في الصياغة المعدلة، ومنفصلة عن العربية والإسلام بفاصلة متسائلا عن معنى
ودلالة تلك الفاصلة. مؤكدا أن الشيء الذي عرقل الدستور الحالي لكي لا يكون ديمقراطيا
هو استعمال الدين. باعتبار أن معضلة الدستور الحالي هي
أنه يستعمل الدين لعرقلة كل خطوات الدمقرطة باسم الخصوصية وثوابت الأمة.
وقد فصل الاستاذ في
مداخلته كيف أن الدين يتم استغلاله في اطار الصراع حول الحكم والثروة والقيم. ففي
الصراع حول الحكم أشار إلى إعتماد الدولة العنف والقمع والردع لمواجهة الاحتجاجات
باسم الدين والحفاظ على هيبة الدولة. وفي الصراع حول الثروة أشار إلى مشاكل
المناطق المنجمية كمثال، واعتبر استغلال الثروات الوطنية بدون احترام القوانين
الوطنية والدولية خرقا سافرا للقوانين الدولية التي وقع عليها المغرب. وأضاف أنه لا
القوانين الدولية ولا الوطنية تحترم في اميضر ولا في وارزازات ولا في بوتزولت باعتبار
أن أول بند في القانون الدولي الخاص باستغلال المناجم يقول أنه لا يجوز لأي دولة
استغلال منجم من المناجم على حساب مصالح السكان...وأضاف عصيد أن تلك المناجم التي
تعطي خيرات كثير للمغرب ولا تناقش لا في البرلمان ولا في الحكومة وتهب إلى جهات
مجهولة ولا نعرف من المستفيذ منها. مؤكدا على أنه في كل
بلد من البلدان الديموقراطية تكون ثروات البلاد موضوع نقاش عمومي مفتوح، لكن عندنا
مناقشة الثروات الوطنية التي هي ملك لكل المغاربة طابو من الطابوهات الكبرى. وطالب بأن تكون المناجم مناجم مواطنة. بحيث
تستغل الثروات بطريقة تساهم بها في تنمية
المنطقة. وفي ربطه بين هذه القضايا الاجتماعية قال أن العلاقة قائمة وعميقة بين
قضية اميضر وانفكو وغيرها من المناطق المهمشة بغياب علمانية الدولة باعتبار أن عمق
تلك الازمات هو أن هناك فئات تستغل ثروات البلد دون محاسبة ولا رقيب لأنها محمية
باسم الدين.
كما أكد المحاضر أن هناك
أيضا صراعا حول القيم، صراع حول المساواة والحرية والعدل. وقال أن لا مساواة إلا
في اطار المواطنة الكاملة، وأكد أنه لا يحق لأي أحد أن يكون أحسن من أي أحد اخر
بأي مسمى. كما أن لا حرية إلا باحترام حرية الجميع وعدم تفصيلها وفق اهواء أي كان.
وقال أنه لا يمكن أن تتحقق قيمة العدل مادام هناك قضاء
يحكم وفق التعليمات والمكالمات الهاتفية، وما دام الاعتقال الاحتياطي يتم بطرق غير
قانونية و مع استمرار الاعتقال بسبب الرأي.
يقول عصيد أن حل كل هذه
المعضلات هو الديموقراطية، والديموقراطية بالنسبة له
شاملة و كل لا يقبل التجزيء. وهي في جوهرها علمانية. ويسأل عصيد:ما معنى
العلمانية فكريا وفلسفيا؟ ليؤكد بالقول أنه قبل أن تكون العلمانية فصلا للدين عن
الدولة، هي استقلال العقل البشري بقدرته على التحليل والبحث بحرية، وقدرته على الاختيار،
من هنا فحرية المعتقد أساس العلمانية. ويشرح الأمر أكثر، فإذا أردت أن تفرض دينك
على الناس ستكون قمعيا قهريا، لان العقيدة لا تفرض. لا يمكن فرض عقيدة لأنها
اقتناع باطني يأتي من الباطن، تأتي بالاختيار. وهي استقلال العقل، عندئذ تكون
مواطن يمارس طقوسه والدولة يجب أن تحميك. لا شأن للدولة
بعقيدتك، الدين لا يجب أن تفرضه الدولة والبوليس. فالدين اختيار شخصي.
وأكد المحاضر على أن الاساس
الكبير في العلمانية هو احترام الحق في الاختلاف واحترام الاخر وقبوله كما هو. وقال
أنه إذا أجبرت الاخر على أن يكون مثلك فلم يعد حرا. فإذا كان هناك مغاربة غيروا عقيدة واختاروا
عقيدة أخرى، فيجب على الدولة أن تحترمهم. لكن الدولة مع الآسف، كما يضيف عصيد، لا
تحترمهم ولا تحميهم. والبوليس يراقبهم. والإسلاميون يخرجون ببيانات تشكر البوليس
والداخلية على ما يعتبرونه حسن القيام بمهامها في حراسة الايمان.
ليؤكد على أن استعمال الدين في السياسة هو الذي يؤدي وسيؤدي إلى الفتن.
أمام مسعى تنميط الانسان وفق قوالب لا يرتضيه.
فحسب عصيد، الاساس
السياسي للعلمانية والديمقراطية هو حياد المؤسسات، إذ أن مؤسسات الدولة يجب أن
تكون محايدة في الدين واللغة والجنس والعرق. مستدلا بأن العلمانية ليست غربية
المنشأ، وقال أن المجتمعات الامازيغية مثلا كانت علمانية في جوهرها، باعتبار أن
القبائل كانت تسير نفسها بقرارات الجماعة والأعراف بعيدا عن المؤسسة الدينية التي
يمثلها إمام وخطيب المسجد حينئذ.
كما دعى عصيد المغاربة إلى
أبداع علمانيتهم، فكما لفرنسا علمانيتها ولبلجيكا علمانيتها...فعلى المغاربة أين
يصوغوا علمانية تنطلق منهم ولأجلهم.
وفي اشارته إلى التناقضات
التي يخلقها الاستغلال السياسي للدين قال أنه مع العدالة والتنمية أصبحت الأموال
المستخلصة من الخمر حلالا، وأضاف أنه لا يمكن للدولة منع الخمر لأن هناك الالاف
العاملين في هذا القطاع، واذا منعته فيجب أن يوفر لهؤلاء مناصب شغل، وأن يأتي ببدائل للميزانية بمقدار تلك الأموال التي كانت
تجنيها من ضرائب الخمر، ثم أن تقدم للذين يشربون البديل، لان شرب الخمر يدخل ضمن
نمط الحياة المتعلق بالحريات الفردية والمتعلق بحرية الاختيار.
يستغرب عصيد كيف أن الدولة
سنت قوانين لا تقدر عليها. الدستور ينص على شيء والقانون الجنائي. وقال أن مثل هذه التناقضات ستحل بالعلمانية لأن
سبب تلك التناقضات هو استغلال الدين في السياسة.
وجه عصيد نقدا لاذعا
للمثقف وقال أن دور المثقف دور نقدي أينما كان. دوره هو الكشف والفضح. وقال أن بعض المثقفين أصبحوا موظفين لدى السياسي مجرد
"كتاتبية" لدى الحزبيين.
في سياق حديثه عن
الاستغلال السياسي للدين، أشار إلى أنه في إطار تزوير التاريخ كانت الحركة الوطنية
تشهر راية ما تسميه الظهير البربري، وتقول أن الظهير يهدف إلى تنصير البربر. ويتساءل
في النهاية من تنصر؟ من تنصر واشتهر في العالم هم أفراد من عائلة الحركة الوطنية. وقال أن البعثات التبشيرية كانت في المغرب منذ
1858 ، ولم
يتحدث عنها أي أحد إلى غاية 1930. لماذا لم تتحدث الحركة المسماة وطنية عن التبشير
المسيحي إلى غاية هذا التاريخ؟ السبب حسب عصيد هو ذهاب الماريشال ليوطي الحليف للبرجوازية
المدينية. حيث كان يعطيهم الامتيازات باعتبارهم كانوا يمارسون الوساطة بين
الرأسمال الاستعماري والسوق المحلية، وعندما لم يصبحوا يستفيدون لأن الاستعمار غير
سياسته واصبح يستغل البلد مباشرة بدون وسطاء. عندما أصبحت
الحركة الوطنية لا تستفيد، أصبحوا وطنيين فجأة. يعني أن الوطنية بدأت عندهم سنة
1930.
وفي رد الاستاذ عصيد على
سؤال الموقع عن الضجة التي أثارتها تصريحاته حول نسب العائلات الحاكمة بالمغرب منذ
عهد الادارسة، واشارته إلى أن إدريس الثاني ولد أشهرا بعد وفاة ادريس الأول الذي
ظل بدون أبناء لمدة خمس سنوات. وكان رده صارما ومتحديا، إذ أكد أن هناك تزوير في التاريخ الرسمي الذي يدرس في المدارس.
فالتاريخ كما صرح عصيد هو أكبر الطابوهات السياسية في
المغرب على الأطلاق. لأن الشرعية السياسية للعديد من الأشخاص مبنية على
التاريخ المزور. ولأن فئة معينة من الناس مستفيدون من الفيرمات والأراضي
والامتيازات والإدارات بسبب تلك الرواية التاريخية المزورة. وطالب منتقديه بتأكيد
رواياتهم التاريخية بشكل عقلاني. وقال أنا أريد من هؤلاء الذي كانوا يروونا علينا
حكاية الأطفال المبتذلة بأنه جاء ادريس الأول وعانقه المغاربة، وولوه ملكا على المغرب،
وأن أول دولة في المغرب هي الدولة الادريسية وهي دولة عربية...هي حكاية للأطفال غير صحيحة و قال أنها ( رواية A dormir debout). ويردف أن ادريس جاء وعمره 42 سنة، ويتساءل هل
جاء متزوجا أم أعزبا ؟ هل كان لديه أبناء؟ والإشكال الثاني الذي يطرحه على
المؤرخين هو هو أن الرواية تقول أن المغاربة بايعوه ملكا، والنصوص تقول أنه بويع
إماما. والسؤال هو لماذا لم ينزل في مصر أو تونس أو الجزائر؟ لأن مصر وتونس كانت
دول سنية، والجزائر كان فيها خوارج. وجاء
إلى المغرب لأن التجمع الذي استقبله كان شيعيا. وإذا بويع ادريس وزوج بكنزة
الأوربية...يعني أنه ظل معها خمس سنوات دون أولاد،
ولم يولد ادريس الثاني سوى بعد وفات ادريس الأول بأشهر؟ والسؤال الاخر الذي يطرحه
هو لماذا قام بمذبحة قتل فيها كل نسب والديه، كيف يقتل ادريس الثاني جده اسحاق وكل
نخبة ادريس الأول، وخلق نخبة عربية أخرى من نخبة الاندلس؟ هذه أسئلة طرحها عصيد
متحديا المؤرخين بإنارة هذه الفترة التاريخية في التاريخ الرسمي.
وخلص عصيد إلى
أن الشعب المغربي لا تمثله عائلة أو نسب أو شجرة، الشعب المغربي يريد دولة تمثل كل
المغاربة.
ويضيف أن قبر ادريس
الثاني ظل مجهولا ستة قرون، ويتساءل كيف أكتشف في العصر المريني. والمؤرخ يقول أن
سيدا نام فرأى رؤيا تقول أن ادريس الثاني دفن تحث الشجرة فاقاموا عليه قبرا. ويتساءل
ما إذا كان مثل هذا القول تاريخ. ويستغرب عصيد من أن الآن يذهب السلاطين إلى هذا
القبر ليستمدوا الشرعية منه. ويقول أي شرعية هذه ؟ الشرعية
هي اختيار الشعب والديمقراطية وليس شرعية الشجرات الوهمية.
ويقول أيضا، لا شرعية لمن
يستعمل الدين سواء كان الملكية أو غيرها. فحسبه الملكية المغربية إذا أرادت أن
تكون شرعية عليها أن تتعلمن.
ويربط المحاضر بين مشاكل
غياب التقسيم العادل للثروات وغياب العلمانية بقوله من يعطي الحق لجهات عليا في
الدولة لتستغل ثروات البلاد بدون احترام الحكومة ولا البرلمان ولا القانون. من أين
تستمد الشرعية؟ تستمدها من إمارة المؤمنين، يعني من الدين. أنا أنهب ثروتك ولا
تحاسبني لأني استمد الشرعية من الدين. ولأن هذا غير ديمقراطي ننادي بالعلمانية.
كما يقول الاستاذ أحمد عصيد.
ويموضع عصيد تصوره في سياق
ما يعتبره نقدا لجذور السلطة القمعية وغير الديمقراطية، حيث أنه يعتبر أن الانتقال
إلى الديمقراطية يستوجب تفكيك الطابوهات لأنها ترسخ الاستبداد.