مدونة الهوامش المنسية : رصد و حوارات و تساؤلات...من أجل تكريس الحرية و الكرامة و ثقافة الاختلاف لقد تم تغيير اسم المدونة ليصبح " الهوامش المنسية " و سيتم تخصيص صفحة للابداع الشعري تحت اسم " هوس الكلمات ".... كما تمت اضافة مقالات جديدة في ساحة الحوار ...... ..... حركة 20 فبراير : دعوة متجددة للاحتجاج الاجتماعي السلمي ..... ممتن و شاكر لزيارتكم .... للتفاعل و التواصل k.isskela@gmail.com

ليالي الدخلة : البحث عن دم العذرية أم عن انتصارات وهمية ؟

ليالي الدخلة : البحث عن دم العذرية أم عن انتصارات وهمية 


كريم اسكلا 

ان موضوع البكارة أو العذرية موضوع يستفز العديد من الأسئلة المقلقة نظرا لتشابكه مع ظواهر أخرى عديدة كالثقاف،الختان،التناسل، الزواج،الاغراء، اللباس...كلها مرتبطة بنوع التمثلات الاجتماعية نحو الجسد. اذ يرد الجسد في المخيال الجمعي مرتبطا بالمقدس و المدنس في الان ذاتهن و بالرغم من أن الجسد هو محور العديد من المواقف الاجتماعية الا أنه يركن الى الظل و المسكوت عنه.

1. في مفهوم "الجسد" :
«إن الجسد هو المجال حيث يتواجه الاجتماعي والفردي، الطبيعي والثقافي، النفسي والرمزي». إن هذا التشابك يبرز اكثر عند طرح ثنائية الجسد/الروح حيث يحضر الأسطوري، الثقافي، الرمزي ... يقول(مالك شيبل) بأن الجسد هو «الشكل الذي تأخذه الروح لكي تتمظهر وتتجلى، سواء تعلق الأمر بالإنسان أو بالملائكة، أو الجن، أو كان مجرد تمثيل للخيال الإبداعي

تسائل الانتروبولوجيا والسوسيولوجيا ... "الجسد" باعتباره لغة ومساحة للمعتقدات، إنه «جسد للغة والمعتقدات، والأساطير أكثر منه جسدا تشريحيا، مقارب عبر قياسات بيولوجية، إنه جسد حي –un corps vit-»لكن( دافيد لوبروتونيميز الجسد في المجتمعات الغربية، فهو عكس الجسد في المجتمعات التقليدية، جسد منشق ومنفصل عن الجماعة،وعن الكوسموس، وعن الطبيعة، بل عن الفرد ذاته. نستخلص من كل هذا، تعريفا إجرائيا لما نقصده بالجسد :
الجسد ليس معطى طبيعيا، باعتباره مجموعة من الأعضاء التشريحية، بل هو مكتسب اجتماعي يثم بناءه عبر التفاعل الاجتماعي.
الجسد، جسد للتمثلات، للمعتقدات، للأساطير... يختلف حسب السياقات الانتروبوثقافية.
الجسد، ليس حالة، بل هو سيرورة متحولة ومتغيرة كل لحظة حسب التحولات الاجتماعية داخل المجتمع.

2. الجسد بين المدنس و المقدس : تأملات و تساؤلات.
يشير كل من (مالك شيبل)  و(الرازي نجاة)  إلى نظرة تستحضر الجسد الأنثوي كمدنس. ففي الزمن الذي تعلن فيه المرأة عن تميزها و عن أنثويتها- لحظة الحيض-، تنتابها مشاعر النجاسة والقذارة، نجاسة لا شك وأنها نتاج اجتماعي ترسخ عبر سيرورة تاريخية طويلة.

لكن ما نود الإشارة إليه هو حضور إحساس القذارة والنجاسة أيضا عند الذكر. فخروج المني منه يستوجب طقوسا للتطهير، كما أن بحث الذكر عن الأنثى / البكارة، عن المرأة التي لم يلمسها ذكر قبله، قد يستبطن إحساسا لا واعيا بأن الرجل مصدر تلويث، إنه يبحث عن المرأة التي سيطمثها –يلوثها- هو وحده.

لتبرز على مستوى السلوك الاجتماعي ظاهرة الغسل/النظافة/الطهارة، خصوصا في فضاء الحمام،اذ يعتبر الغسل بعد ممارسة جنسية تطهيرا ضروريا. وكأننا بصدد طقوس التطهير كما في المجتمعات البولونيزية- Polynesien ، كما أشار إليها R.Caillois) ) في دراسة عن الطقوس الجنسية للتطهير عند قبائل الطانكا Thongas.

يراد لثقافة ما أن تركن إلى الهامش الاجتماعي ، أي إلى ذلك المجال المحتضن للمحرم، بالتالي تكون محتضنة لأعمق ركائز السياقات الانتربوثقافية: نتحدث هنا عن ذلك الخطاب المتسرب من أبواب المجتمع الخلفية: النكتة، السب و الشتم Injure ... أي خطاب يتناول الجسد الخاص: خطاب حول قِصر أو عدم انتصاب العضو التناسلي لدى الذكور، ظهور أعراض فيزيولوجية مصاحبة للإفرازات المهبلية لدى الإناث، صغر الخصيتين، صغر أو ضخامة الثديين، شعر أطراف الجسد و كذا حكايات ليلة العرس ...، إنه معيش يومي لابد وأنه سيقربنا من فهم المخيال الاجتماعي. لكن الأكيد أنه يتطلب دراسة متأنية.

فالبحث عن دم العذرية ليلة العرس مثلا لا يبتعد عن لب التصورات التي نحملها عن جسدنا و جسد الأخر،انه مرتبط اذن بمكبوتاتنا عن اللحظات الأولى في مواجهتنا للمجتمع،وبداية تكون مفهوم العيب ،و بلحظات الختان أو اخصاء 'أوديب'...،و كل طقوس المرور خلال معيشنا اليومي.

و إذا كنا نشهد استعمالا مرنا ومتحرر للجسد الكاشف حتى عن أعضاء الجسد المحملة بالمحرم Tabou بالتالي محملة بالأساطير، أو ما يسميه (مالك شبل) "تابو العورة نشير مثلا إلى البطن، الثديين، الأرداف، السرة... بالنسبة للإناث، وشعر الصدر، العضلات المفتولة... بالنسبة للذكور. فإن هناك اتجاها أيضا نحو "إخفاء" هذا "الجسد" بكامله خصوصا الجسد الأنثوي، وذلك بجملة من التصورات التي تزيحه نحو المسكوت عنه انطلاقا من تفكير أخلاقي قيمي. لكن واقع الممارسة اليومية يزودنا بالتباس يتعلق بالفهم الذي يعطيه الأفراد لممارساتهم،ففي بعض الأحيان قد يصبح الحجاب مصدر اغراء و اثارة.

يمكن أن نلحظ أيضا أن المجتمع لا يسعى إلى إخفاء الجسد الذكوري في حين أنه قد يكون هو أيضا موضوع استيهامات سواء من قبل النساء أو الذكور. هل الحجاب إذن حجب أم كشف؟ لكن ألا يعتبر ذلك دليلا على أن حتى النص الديني يفسر انطلاقا من وجهة نظر مجتمع الذكور؟ وهذا ما قد يكون دفع ( Germaine Tillon ) إلى القول بأن الدين الإسلامي ليس بالضرورة هو المتحكم في فرض الحجاب على النساء بالمقارنة مع ظاهرة الغيرة الذكورية التي تميز هذه المجتمعات,

يرى ( بيير بورديو) أن التقسيم الاجتماعي/ الجنسي المنحاز إلى الذكر يمكن اعتباره شبه عام في جميع المجتمعات، بالرغم من أنه نتاج اجتماعي لسيرورة تاريخية ، إن الذكر هنا كائن ذو شرف وعزة، باستحضار عدم افتراق امتيازات الشرف عن السلطة داخل المجتمع. إن ذلك التقسيم نجد له تعبيرا في الطقوس وفي البنية المجالية لدور السكن، إذ هناك تميز بن المنزل والعالم الخارجي (الحقول)... إن ذلك يفسر ويرتبط بالتمثلات الرمزية حول الجسد، وبعلاقات الهيمنة بين الجنسين، أي بين مهيمن ومهيمن عليه.

إضافة إلى انه قد نجد "ألما" لدى الذكور يتحدد بشكل من " الاخصاء " و"الثقاف"... وتحريم السلوك الجنسي إلى لحظة "حاسمة" يجب أن يظهر فيها عن جدارته بتحمل المسؤولية، وبشهادة المروءة والرجولة. لا يحصل الذكر على شهادة الشرف رغم سلوكياته الجنسية إلا إذا توضحت ليلة افتضاض بكارة عروسه.لا يصبح الرجل رجلا الا اذا قام ب" الواجب " ليلة الدخلة، وحتى و لو مارس الجنس سابقا يراد لهذا السلوك الذي أريد له أن يكون محراما و مخفيا من قبل، أن يكون طقسا علنيا في هذه اللحظة و في هذا المكان.


 لقد افرز العصر الحديث ،عصر العولمة، حالات من الانخطاف الرمزي و التماهيات المتعددة إذ أن المجتمع الاستهلاكي الحالي استنهض كل ترسانته الإعلامية المعلوماتية ، ليستحيل العالم إلى فضاء للاحتفالات و الكرنفالات الطقوسية،إلى "جدبة" لجسد متماهي مع آلهة الميتافيزيقا و الأساطير الحديثة، أو ميتاقيزيقا الصور و العلامات الفيتيشية .أي أيقونات الممثلين و المغنيين و عارضي و عارضات الأزياء،نجوم الرياضة و الاشهار،من أقصى الغرب الى أقصى الشرق،من هوليود الى بوليود الى السينما المكسيكية و التركية ...
ان العريسين الحالمين بشهر عسل على طريقة الأفلام و المسلسلات قد يصطدمان بمجموعة من العادات و الطقوس و المعتقدات التي تخل لاتوانزنا وجدانيا لديهما،قد تنتج عنه جروح نرجسية عميقة تتسبب في فشل العلاقة فيما بعد.



المقال منشور بتصرف

بنكيران و أردوغان: اليمن كاليابان



كريم اسكلا


k.isskela@gmail.com 

عندما لا يكون هناك أي مجال للمقارنة يعمد العديد من المغاربة إلى قول شعبي مفاده أن »اليمن كاليابان« . حيث لا شبه بين اليمن واليابان إلا القافية. بين بلد اختار له حاكموه قصرا أن يظل في حقبة القرون الوسطى وبلد اختار أن يكون في مصاف الدول المتقدمة. هكذا تحضرنا هذه المقارنة ونحن نستحضر الديمقراطية التي أوصلت رجلا سياسيا مثل أردوغان إلى السلطة، و »الديمقراطية « التي أوصلت رجلا مثل بنكيران إلى »السلطة « . سواء اتفقنا أو اختلفنا مع اختيارات الحزب الحاكم في تركيا، لكن ما قد لا يجادل فيه أحد هو أنه وصل إلى السلطة الفعلية بواسطة إرادة نسبة كبيرة من الشعب رغم كيد لوبيات العسكر. لكن في الحالة المغربية، كانت لوبيات العسكر – المخزنقراطية – هي التي أوصلت الإسلاميين إلى سلطة صورية ضدا على إرادة النسبة الأكبر من الشعب الذي يرفض المنظومة ككل.

كيفما كان الحال فقد قطف “الإسلاميون” أولى ثمار ربيع الديمقراطية، سواء في تونس أو مصرأو ليبيا أو المغرب...بالنسبة للحالة التونسية شهدنا مسلسلا ديمقراطيا بامتياز انصر فيه الخيار الديمقراطي بالدرجة الأولى وليس حزب النهضة فقط. وفي الحالة المصرية والليبية يمكن أن نستخلص أن هناك تحالفا بين القوى العسكرية الداخلية والخارجية- الناتو بالنسبة لليبيا- و التيارات الإسلامية للتحكم في سقف الثورة. لكن في الحالة المغربية التي رصدناها وعايشنها، لمسنا أن هناك توجها من دواليب السلطة للدفع بالإسلاميين للفوز في الانتخابات، إلى درجة نكاد نقول فيها أنه حتى لو لم يصوت أحد على حزب العدالة والتنمية لفاز بالمرتبة الأولى. حيث سعت الدولة إلى التماهي مع خلاصات العديد من التقارير الدولية التي تشير إلى أنه في حال تنظيم انتخابات نزيهة فسيفوز التيار الإسلامي، بالتالي ولكي توصف الانتخابات بالنزاهة لابد أن يفوز الإسلاميون بأي ثمن.

إن المخزنقراطية دائما ما “تقتات على دماء” معارضيها، فبعد مسلسلات التضييق والترويض..تأتي مرحلة الاحتواء. ولن يجد النظام السياسي أحسن من الحزب الإسلامي المعتدل “ليأكل بفمه بصل” الحراك الاحتجاجي. فورقة اليسار الاشتراكي تم إحراقها في مرحلة التناوب...وورقة الكتلة التاريخية مع حكومة عباس الفاسي، والآن الدور على بنكيران ليلعب دور اليوسفي. لكن لابد أن يحتفظ النظام باحتياط معارضة بديلة قد يحتويها في القادم من الزمن...قد يكون الإسلام الجهادي أو اليسار الجدري أو الحراك الأمازيغي الراديكالي أو الإسلام الياسيني ...خاصة إذا لاحظنا التقارب لواضح بين اجهزة الدولة وقطاعات من الإسلام الراديكالي وتراجع حضوره في الاحتجاجات. وإذا لم يكن بالإمكان احتوائها فسيتم صنع معارضة صورية أخرى.

لابد أن ننتبه إلى أن سياسة الاحتواء تقوم على خلق عوامل الفشل في داخل الجهة التي سيتم احتوائها لتنفجر فيما بعد من الداخل، ففي تجربة الاتحاديين ذوو المرجعية الاشتراكية مثلا، تمت أكبر صفقات الخوصصة ورصد أكبر نسبة التضييق على الحريات...وفي تجربة عباس كان الحزب المعارض ممثلا بوزراء في الحكومة ! في سابقة لم ولن يشهد التاريخ السياسي العالمي مثيلا لها. لتحمل كلا التجربتين عوامل فشلهما منذ البداية. وفي ظل حكومة يقودها الإسلاميون بمعية حزب محسوب على الشيوعية، نتوقع أن يشهد المغرب أكبر نسبة للتعبيرات التحررية الجريئة، يكون أساسها الحريات الفردية، كشرب الخمر والعلاقات الجنسية وحرية المعتقد... حتى وإن تعارضت مع المرجعية الفكرية للعدالة والتنمية...مما قد يدفع بالتيار المتشدد في الحزب وخاصة جانبه الدعوي إلى سلوك طرق قد تفجر هذا الائتلاف وقد تفجر الحزب الإسلامي ذاته.

سيجد الحزب ذو “المرجعية الإسلامية” نفسه مرغما على التعايش مع العديد من الظواهر التي هي في الأساس تتعارض مع مرجعيته، أولا بحكم التأويل الديموقراطي الممكن للدستور، ثانيا بحكم اليقظة التي ستعيشها التيارات التقدمية والتحررية والعلمانية بعد تمكن الإسلاميين من التقدم في الانتخابات. فهل سيجرؤ الإسلاميين على التراجع عن “الخيار الديمقراطي” الذي أوصلهم إلى “الحكم” ؟ ألا يقوم النظام الديمقراطي على ضرورة توفر الضمانات للحريات الفردية ( فكرية ومدنية )، وشيوع ثقافة حقوق الإنسان، والمساواة وعدم التمييز العنصري بسبب الدين أو الجنس أو اللغة، وتحقق مبدأ تكافؤ الفرص وغير ذلك مما هو معروف اليوم في التاريخ الإنساني، حيث السيادة للقيم المتصلة بالحريات؟ إن “صناديق الاقتراع” التي يقول الإسلاميين أنها أوصلتهم إلى “السلطة”، توجب عليهم أيضا ضمان حقوق المختلفين والمعارضين. بالتالي على الحزب الإسلامي أن يتقبل كل أشكال التعبير عن الاختلاف داخل المجتمع مهما تنافت مع فهمه للإنسان. بما فيها حرية المعتقد والمذهب، وحرية اختيار الشريك من الجنسين، وحرية التعبير بكل أشكاله وبكل أشكال التواصل الممكنة... كما عليه الحال في “اليابان” وليس كما عليه الحال في “اليمن”، لعل“اليمن” يقترب إلى مستوى “اليابان”.

كريم اسكلا
ناشط حقوقي
http://isskela.blogspot.com 


جديد: مقالاتي في كتاب الكتروني للتصفح - اضغط وسط الاطار -

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

 
-