مدونة الهوامش المنسية : رصد و حوارات و تساؤلات...من أجل تكريس الحرية و الكرامة و ثقافة الاختلاف لقد تم تغيير اسم المدونة ليصبح " الهوامش المنسية " و سيتم تخصيص صفحة للابداع الشعري تحت اسم " هوس الكلمات ".... كما تمت اضافة مقالات جديدة في ساحة الحوار ...... ..... حركة 20 فبراير : دعوة متجددة للاحتجاج الاجتماعي السلمي ..... ممتن و شاكر لزيارتكم .... للتفاعل و التواصل k.isskela@gmail.com

تعديل الدستور .. و ماذا بعد ؟


التفكير المتجدد في الأجندة الحقيقية للتغيير

- تعديل الدستور .. و ماذا بعد ؟ -

كريم اسكلا

k.isskela@gmail.com

http://isskela.blogspot.com


 بعد الإعلان عن استقلال المغرب سجل  نوع من " انسحاب " المجتمع إلى الاهتمام باليومي والاجتماعي على حساب السياسي، فهل سيؤدي الاستبشار بالإصلاح الدستوري إلى ارتكاس الحس الاحتجاجي والسياسي كما حدث بعيد إعلان جلاء الاستعمار ؟ ماذا بعد تعديل الدستور ؟ ما هو مصير جدول أعمال التغيير؟ هل سيعقب الإصلاح الدستوري إصلاحات سياسية وثقافية و اقتصادية؟ ... ( و بالعامية المغربية:  تعديل دستور أومنبعد ؟ - – et alors ) إنها جملة من التساؤلات المشروعة المطروحة بشدة في ظل حراك سياسي  واجتماعي متسارع، سنحاول في هذا المقام بسط بعض جوانبها على طاولة الحوار العمومي.

عادة ما كان البعض يلخص مجمل المشاكل التي يعانيها المغرب في " انسحاب " المجتمع من المشاركة في الشأن العام، على أساس أنه بالرغم من أن الجميع أصبح واعيا بعمق المشاكل البنيوية لمغرب ما بعد الاستقلال إلا أنه  لوحظ "انسحاب" للشعب إلى همومه اليومية فرحا بإعلان الاستقلال، و ترك تدبير السلطة لقلة من النخب تصارعت لبسط هيمنتها على مقدرات البلد في غفلة من المجتمع المدني. و هذا فيه شيء من الصحة، فبالرجوع إلى فترة الاستعمار كان جميع المواطنين منخرطين في الهم السياسي إلى النخاع ... كان هناك مجتمع مدني فاعل بكل المستويات بالتالي كانت المحاسبة و المراقبة سارية على الجميع، بما أن حب الوطن و الإيمان بالقضية هو الذي كان يحرك الغالبية. لكن أقلية من الانتهازيين  استغلوا التراخي الشعبي الذي تلا جلاء الاستعمار المباشر لإحكام القبضة على دواليب الدولة ليسيروها وفق أهدافهم ومصالحهم. كما شأن فريق لعبة انشغل بالفرح بانتصار غير مكتمل قبل نهاية المباراة ... لكنه في آخر المطاف هزم.
إذا كانت " ثورة الملك و الشعب" نجحت في إبعاد المستعمر، فان الفرحة الزائدة الناتجة عن ذلك حجبت العديد من الأشياء منها المفاوضات السرية التي كانت بين " الحركة السياسية " و القصر و سلطات الاستعمار  و التي نجهل عنها العديد من التفاصيل، إذ تركت مجموعة من القضايا عالقة كمسألة الحدود و مصير العديد من المناضلين، والتعويض عن الفترة الاستعمارية وجرائم الحرب التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار، إضافة إلى أنباء عن أن صفقة  قد تكون تمت بين المستعمر و " الحركة السياسية " ، بحيث يمنح المغرب استقلالا شكليا مقابل أن تعمل الطبقة الحاكمة على منع وصول  أصحاب الفكر الثوري الشيوعي اليساري أو الفكر الديني الراديكالي إلى الحكم بأي شكل من الأشكال سواء في  الريف أو في الجنوب ... و التاريخ يبرز أن ما يسمى الآن " بالخيار الانفصالي" كان نتيجة القمع الذي طال هذه المناطق بعد الاستقلال، إضافة إلى أن " الانسحاب "  الشعبي من الشأن العام ترك المجال للبعض للانقلاب على أهداف تلك الثورة، ليرجعوا الاستعمار من النوافذ ويغرقوا البلاد في مخططات تكرس التبعية الاقتصادية والثقافية و السياسية للمستعمر.

إن من حسنات الحراك الاحتجاجي الذي أنتجته حركة 20 فبراير أنها أعادت المواطن المغربي إلى الحقل السياسي، ليصبح  مشاركا و متفاعلا و مبادرا لكن من داخل الشارع العام، خروج الشعب المغربي إلى الشارع العام يثبت أنه لم يكن عازفا عن السياسة و سلبيا إنما يثبت فشل البنيات القائمة في الرقي إلى مستوى انتظاراته، فالفعاليات النشيطة في هذا الحراك بخروجها إلى الشارع تعلن عمليا عن فشل و عدم صلاحية العمل من داخل المؤسسات والبنيات القائمة، و تطرح بديلا آخر هو التغيير من الخارج. حيث يؤكدون أن  كل من حاول التغيير من داخل المؤسسات تم احتواءه و تدجينه، إذ  أن  قوة تمسك المؤسسات بالاستقرار أكبر من رغبة البعض في التغيير. فالراغب في الإصلاح هو من يتغير في الأخير و ليس البنيات.

إن الإشكال الذي يجب أن يحله الفكر السياسي المغربي المعاصر هو كيف يمكن لمؤسسات أنشئت بشكل تقليدي لتحافظ على الاستقرار أن تصبح مؤسسات حداثية تقود إلى التغيير ؟ فجل المؤسسات التي بنيت في  ما بعد الاستعمار ، بما فيها  بعض الأحزاب و و الجمعيات،  هي مؤسسات تقليدانية محافظة في جوهرها بالرغم من أنها تظهر على أنها حداثية و مدنية. فإذا كان من الطبيعي جدا أن تكون هناك قوى تعمل جاهدة على الحفاظ على الأوضاع ثابتة ومستقرة لان أي تغيير قد يهدد امتيازاتها و مصالحها، فكيف يمكن لمؤسسات الدولة مثلا أن تتضمن آليات و ميكانيزمات  تتسع للتغيير؟ بصيغة أخرى هل يمكن لنفس البنيات و النخب التي أنتجت  الوضع الحالي - الإفلاس المستديم - أن تنتج وضعا أفضل ؟ هل يمكن لمن صنع الإهانة أن يصنع الكرامة ؟

لقد أظهر خطاب العاهل المغربي يوم 9 مارس نية للدولة في التغيير، إذ طرحت مقاربة التعديل الدستوري كحلقة في السيرورة التي يعيشها المجتمع المغربي، و قد أريد لهذه الخطوة  أن تحدث خلخلة في أجندة الحراك الاحتجاجي الشبابي،  و ذلك عبر مستويين : مستوى يظهر فيه التعديل الدستوري كهبة و منة من السلطة لا كحق انتزع،  و مستوى ثاني  يتم من خلاله نزع أي مبرر لاحتجاج، كأننا بصدد حالة طوارئ غير معلنة، بحيث سيتساءل البعض لماذا سيخرج الشعب للشارع مع أن الدولة قدمت له أكثر مما طلب ؟ لكن المفاجئ أن الاحتجاج استمر أيضا بعد الخطاب و هذا ما أحرج الأجهزة الأمنية مما دفعها إلى التصدي له بالقوة.  

على مستوى " منة الدستور"، سواء من حيث الشكل و من حيث السياقت التي قيل أنه تمخض عنها  و من حيث طريقة تكوين اللجنة المكلفة بإعداده و بالتشاور حوله ...  كل ذلك يكرس صورة المؤسسة الملكية كفاعل أوحد و وحيد . متقدم على الجميع بما فيهم الحكومة و الأحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ... كما ينزاح بالنقاشات الجوهرية حول الفساد و الكرامة و العدالة الاجتماعية إلى النقاش الدستوري، كأن مشاكل المغرب هي  مع الدستور، في حين أن التاريخ أثبت أن الدستور غير المكتوب هو الذي كان معمولا به أصلا، كما أن فاعلين في الظل هم المحرك الأساس للدولة. كما أن الدستور الحالي فيه من الايجابيات الشيء الكثير. ففي الدستور الحالي هناك اختصاصات للحكومة و للبرلمان لكنها لم تفعل. لم يكن مطلب تعديل الدستور مركزيا في مطالب حركة 20 فبراير على الإطلاق، إذ أن الجوهري بالنسبة لها هو منطق الممارسة الفعلية، أي مطلب ممارسة السلطة السياسية عبر مؤسسات  شفافة و ديموقراطية  في إطار دولة مدنية  تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية لا عبر المراسيم و الظهائر ، و ما يتطلب ذلك من إلغاء العمل بالثنائية القطبية ( ولاة و عمال معينون يمارسون الوصاية على مجالس منتخبة ). و فصل واضح للسلط يقترن فيها  تحمل المسؤولية بالمحاسبة والرقابة. وينفصل فيها أيضا الجمع بين السلطة و المال، و ما يتطلبه ذلك من تفكيك منظومة المخزنقراطية. واقتصاديا معاملات تحكمها العدالة الاجتماعية و ما يتطلب ذلك من تفكيك اقتصاديات الريع و الكريمات والهبات...
   
أما على مستوى المقاربة الأمنية، فقد لوحظ أن هناك جيوبا عديدة للمقاومة تقاوم حتى سقف الإصلاح المعلن عنه، و تستكثره على الشعب بحجة الإرهاب أو اليسار الجدري أو الطوفان الياسيني أو التطرف الأمازيغي ... أو البوليزاريو أو الجزائر ... أو تدهور الاقتصاد و السياحة.  فالمنطق  الانتروبولوجي للهبة يستوجب أن يظل من منحت له الهبة مدينا للواهب، و لا يفترض منه أن يطالب أكثر من ذلك.

نفهم إذن أن النظام المغربي اتجه إلى محاولة التحكم في سقف الخيار الثوري، عملا بمبدأ أنه إن كان لابد من ثورة فلنعمل على ألا تكون ثورة جذرية. لكن الخوف كل الخوف هو أن يقع الانقلاب حتى على هذا المستوى من الإصلاح بعد الاستفتاء على الدستور، و ذلك باستغلال إلهاء الشعب بمكسب  التعديل الدستوري. لذا يجب الانتباه إلى عدم السقوط في الفخ الذي وقعنا فيه بعد جلاء الاستعمار، أن نفرح بمكسب منقوص و ننسى استكمال التحرر.  لذا لا يجب أن ينسينا التعديل الدستوري استكمال أجندة التغيير. و إذا كانت الثورة يصنعها مغامر ويرثها انتهازي، فلا يجب أن يصنع الشعب إصلاحا و يلتف حوله مفسدون يحرمونه حتى من ذلك الإصلاح.

على الحراك الاحتجاجي أن يتنبه بشكل مستمر إلى الأجندة الحقيقية للتغيير، هذه الأجندة التي يجب أن تحدد أولوياتها جماهيريا و بطريقة تشاركية لا أن تفرض من طرف جهة معينة، على هذا المستوى من الضروري أن يتم حسم النقاش حول جملة من القضايا مثل سلمية الاحتجاج و إلغاء الرايات الحزبية والإيديولوجية و القومية و اللغوية و الدينية ... و الالتزام بالخيار الديمقراطي المدني.
كريم اسكلا

28/05/2011.


جديد: مقالاتي في كتاب الكتروني للتصفح - اضغط وسط الاطار -

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

الهوامش المنسية في كتاب ورقي

 
-